تذكرة

أخوكم : أحمد معاذ الخطيب الحسني

أخي الغالي …. سلام الله عليك وألف رحمة تغمرك وخير بركة تحيط بك ..

تمضي الأيامُ يا أخي وتفتحُ الدنيا لنا أبوابها … حتى كأنا خُلقنا لها وخُلقت لنا ، ومن تحتِ رُكامها ينبثقُ فرعُ نبتةٍ عنيدةٍ ، وعليه وريقات أخوة ما استطاعت الدنيا أن تُحيلها حَطباً ويَبَسا ، ومن نُسغها الأخضر السرمدي تتجددُ عزائمنا مرةً بعد مرةٍ ، وبتلك الوريقات نستعيدُ من مكنون أخوتنا ظلال خير وارفٍ ، ودوحةَ إيمان ما نسيناها وإليها المرجع ،ولو أغرقت الدنيا كل مراكبنا وأقبلت أعاصيراً تجتاح شواطينا.

مازال حُبُّ الله في دمنا والإيمان يرسو في مَوانئنا ومازالت القباب والمآذن تشهدُ لنا بأنا من أهاليها، وفي بلاد بعيدةٍ … في الشام أرض الطهر… مازالت محاريبٌ ومساجدُ تذكرنا وكلها شوق إلينا فتبكينا.

ودعنا الشام وفي دمنا عشق الصلاة والتوحيد حادينا.

كم لنا عبرة إذ بالأمس كان (يوسف الإدلبي)[1] حياً يربينا بهمته، واليوم صار في ديار الحق ينادينا: أن هلموا إلى الخير وذروا حب الدنيا ونزغَ الشيطان، وذروا التمرغ في الأوحال والطينا.

ياأيها القوم: بالأمس كان المؤذن الكهل في حسرة يذكركم، وكان حصير المسجد، وأهل المرؤة والجيران، وكتاب الفقه … كلهم في لهفة يُصغونَ.

فيا إخوة الدرب القديم جددوا درب الرشاد، وللخير في رمضان كونوا قادة وأئمة وساعينا .

صوم العامة عن الشهوات معلوم، وأخص منه أن تكونوا لحفظ الجوارح مُتِمِّينا، وقال الغزالي صوم خصوص الخصوص فوق ذلك عن الهمم الدنيئة، وأن تكونوا لرضى الرحمن راجينا.

ذكريات الابتداء تعيدكم إلى الشكر بعد الفتور، فلا تنسوها أحبتنا، أتذكرون السير الأول إلى المسجد، وأول مرة بكى واحدنا فيها من خشية الله، وأول مرة صافحت وجوهنا جباهُ إخوةٍ مثلَ البدورِ وقد تلألأت بأنوارِ السجود، وأول مرة تاب فيها أحدنا وأنابَ بعدَ هفوةٍ وعثرة، وأولُ مرةٍ اهتز قلبه فيها لنداوة التوحيد فإذا كل ذرة فيه تشهد أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله، والمسجد العتيق، وصوت الأذان الندي، ووشوشات الأحبة وصيحات الشباب فرحين، وذلك القيام في الليالي المعتمات، وتلك الرحلة وذلك الوادي، ولمسة الرفق من المربي، وألسن الأحباب تردد الأذكار العِذاب، والنشيدُ الهادرُ، وضجيج الصغار خلف الصفوف، وخرير الماء في بركة المسجد، والسيرُ إلى الصلواتِ تحت حباتِ المطر أوفي الحر الشديد.

ألا تذكرون كيف كانت قلوبكم …. طهراً وسكينة وبراءة وصفاءً ….

يا إخوتاه، عودوا كما كنتم ، فاملئوا الأرض إيماناً وأُخوةً وطيوباً وعطراً، ولا تَدعوا بالله عليكم عكَرَ الدنيا يسكن القلوب، فإن لنا مع كل درب طاعة سببٌ ونسبٌ ومع كل سبيل خير رَحِماً وقربى…

تغافروا فيما بينكم وأحيوا السمت الأول بالإخاء وليقُم واحدنا فليصل إخوانه كما يصل أرحامَه، وليراجع كلٌّ منا نفسه ولنتُب جميعاً إلى الله؛ فإنه ما تحابَّ أخَوانِ في الله فيُفرَّقَ بينهما إلا بذنب يُحدثه أحدهما.

اللهم أعنا على التراحم فيك ، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم ، وتقبل منا صالح أعمالنا ، اللهم وأعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان …

وبارك الله لكم في شهركم ولا تنسونا من صالح الدعاء.
الهوامش:

[1] - الأستاذ يوسف الإدلبي ، أبو عبد الرحمن ، من قدماء الدعاة في دمشق ، كان يشد إخوانه بهمته ، صبر وأوذي ، وبقي على الطريق ثم افترسه المرض ولقي ربه قبل أشهر (توفي الخميس 14 نيسان 2005م) رحمه الله ، رحمه الله، رحمه الله ، وقد فتحت بموته ثغرة لانعرف من يسدها بعده

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف تذكرة, منائر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.