(بين مأساة المصطلح … والطريق إلى الصواب) ! - 2006-02-01

هجرة مباركة يسري طيفها في قلب كل مسلم ، وعام يأتي وآخر يمضي وبراعم الصواب تتفتح … وهجر الخطأ إلى الصواب بداية طريق الموفق .. وفي طريقنا عقبات لابد أن ترفع ومنها على سبيل المثال عقبة المصطلحات التي أعاقت عن كثير من الفعاليات ، وقد قدم العلامة أبو الحسن الندوي في رسالته النافعة : (ربانية لا رهبانية) بحثاً مهماً حول : جناية المصطلحات على الحقائق .. فمثلاً إذا قلت : أريد الوصول إلى مقام الإحسان والافتقار إلى الله وافقك الناس ، فإن أدخلت ذلك في مصطلح التصوف ذعر الكثيرون ورفضوك وقالوا بدعة وخرافة ، وإن سألت عن إتباع الدليل وتحري الكتاب والسنة وافقك القوم فإن سميت ذلك سلفية رفضوك وقالوا: وهابي شديد.

وطرح الندوي فكرة أن نترك الأسماء ونتفق على الحقائق ، وهذا رأي سديد! ولكن دونه في الواقع العملي عقبات! ورغم أن أي طالب علم يعرف أنه : “لامُشاحَّةَ في الاصطلاح ” ولابُخل في البيان إلا أن العاطفة الجامحة والحساسية البالغة من بعض المصطلحات تكاد تطيح بكثير من الحقائق ، وقد دهشت لحد الصدمة يوماً من رجل يحسب على أهل العلم انفجر في وجهي عندما تحدثت عن الحرية وضرورتها للأمم ليقول بملء فيه : الإسلام عبودية وليس فيه حرية ، وسمعت من صاحب عمامة كبيرة نفس المنطق بطريقة أكثر أدباً.
لقد استقر في وعي كثير من المتدينين أن الحرية مرادف لقلة الدين وتفكك الأخلاق بل العمالة للغرب! وساعد على ذلك حكام ماكرون وأصحاب عمائم سذج ربوا الأمة على الخنوع ناسين أن عبودية المسلم لله وحده وأن العبودية لغير الله شرك وكفر وضلال مبين ، وأن المسلم لا يمكن أن يقيم الحق في الأرض مادامت عبوديته لفرعون وقومه.
لقد اختل أمن الأمة المسلمة منذ أصبح الملك عضوضاً تتناقله أسرة وراء أسرة ، والعدل العمري العظيم دكه دكاً من ذبح آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى رأسهم سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين رضي الله عنه ، ويقول العلامة المرحوم محمد الغزالي أن الاستبداد بدأ في الأمة عندما قام دجال منافق فقال : أمير المؤمنين هذا ، فإن هلك فهذا وأشار إلى ابن الحاكم ، فمن أبى فهذا ، ولوح بالسيف !! واليوم يزرع السذج في عقول الناس وتحت بريق السيف والانتخابات المزورة والإعلام الهابط والفكر الهالك ؛ أن الاستبداد ضرورة لازمة والعدل بدعة ، وقبول الاضطهاد فيه أجر عظيم ، وأن حكام الأمة مصدر خير وسعادة ورفاه وبركة وأن نساء الأرض قد عقمت وليس في الشعب المسكين رجل رشيد إلا ما تتفتق عنه أرحام الطغاة …. فحتى متى تبقى الشعوب المسلمة تجتر هذا الكذب على الله ….

أظن بعض منافقي السلاطين لو وجدوا في دار عبد الله بن جدعان لاعترضوا على حلف الفضول ، والذي قال عنه النبي الهادي صلى الله عليه وسلم أنه لودعي إليه في الإسلام لأجاب (وهو حلف لنصرة المظلومين مهما كانوا) ، ولوسمعوا قولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؛ لقالوا : الحرية مرفوضة ، والأمة ملك يمين للحاكم والعبودية له هي الأصل في الإسلام.
لقد أخذ هذا الأمر من حياتي سنوات ، إلى أن ظهر لي سبب من أسباب المشكلة! إن بعض العقول آلية تماماً إذا لم يكن هناك كلمة صريحة شديدة الوضوح فإنها لا تلتقط المعنى ولو كانت كل مقاصد الشريعة تقود إليه! وفي الإسلام لم تأت كلمة الحرية بالسياق المطلوب ، ولم تأت كلمة منظمات حقوق الإنسان في قرآن ولا سنة ، ولم يرد مصطلح حقوق الإنسان في كتاب سابق فغفلنا عنه! ونادى الغرب به فصار الحديث به قرين الضلال المبين!

في بعض البلاد التي تاهت عن الله قد تبيع المرأة نفسها بثمن علبة كبريت أو أقل فهي حرة في نفسها! والإسلام نأى بها عن ذلك فحوط تلك الحرية بالكرامة فالمسلمة حرة في الزواج من كفء لها ، ولو تعنت الولي فإن القاضي ولي من لا ولي له وهي حرة بمعنى أرقى بكثير من حرية بلا كرامة ، وقد رد عليه الصلاة والسلام زواج من أجبرها أبوها على الزواج من ابن أخيه ليرفع خسيسته ، فقالت : قد أجزت ماصنع أبي ولكن أردت أن أعلم الآباء أن ليس لهم من الأمر شيء!! حرية كاملة محاطة بكرامة كاملة!
ونحن أحرار إذا شئنا أن لانتصدق على فقير يسألنا ، ولكن الله تعالى كرمنا عن أن نكون عبيداً للمال ، فأمرنا بالصدقة والبذل ، وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأنه ما أمن به من بات شبعان وجاره جائع إلى جواره وهو يعلم! وحفظت كرامة الفقير فقال تعالى : “وأما السائل فلا تنهر “، وتعلمنا جميعاً أن المال مال الله فهو المالك وهو المعطي وهو المانع!
ونحن أحرار كبشر في أن نستخدم أجسادنا كما نشاء بل حتى أن ننهي تلك الأجساد بالأداة التي نختار! انتحاراً من شاهق أو تلفاً بالدخان أو انغماساً في شهوة! ولكن قمة التكريم عندما نعلم أن لأجسادنا علينا حقاً ، وأنها أمانة وضعت بين أيدينا وإن من كرامتنا أن لا نكون لصوصاً فنرد تلك الأجساد نقية كما خلقت ، ونحرم الانتحار والمهلكات والمفسدات … (جوارحنا حفظناها من المعاصي صغاراً فحفظها الله لنا من الآفات كباراً).

وفي كل أنظمة الأرض يتوق الناس إلى الحرية أو تضيق أرواحهم عن تحمل الظلم فيجهر البعض بالحق فيموتون من أجل الحرية ، والإسلام لم يتوقف عند تلك العتبة فالكل يموت ، بل كرم ذلك الطالب لقيام الحق فجعله قريناً لسيد الشهداء رضي الله عنه: “سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ” كما علمنا الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم … وغير ذلك كثير ….
وديننا يأمرنا أن نحترم النظام وأن نصغي لأولياء الأمور علماء ثم حكاماً ، ولكن الله كرمنا فلم يجعلنا ضحايا لاعوجاج فتاويهم إن حادوا عن الحق ، أوسوائم بين أيديهم المباركة إن سرقوا ونهبوا وسجنوا ونكلوا وخنقوا الأمة وصادروا كل مقومات وجودها ثم جعلوها مزرعة متخلفة كل الناس فيها عبيد يسبحون بحمد مولانا وتعينه جوقة عملاء أو سذج مغرورين … كرمنا الإسلام عن ذلك المآل فقال صلى الله عليه وسلم : “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ” وأي معصية أكبر من يُجعل خلق الله في عبودية غير الله !!
إن إيجاد الكرامة في الأمة فريضة لازمة (ولقد كرمنا بني آدم) ، وهي شيء أوسع نطاقاً من مجرد الحرية الغريزية المنزوعة الكرامة …. وبهذا يستطيع المسلم أن يكون صاحب مظلة في الخير أوسع بكثير مما رسم له من الحدود والقيود …. بل يستطيع أن يكون نواة لحلف فضول جديد يقوده مسلم حر يبشر لا بالحرية بل بالكرامة الموفورة التي تستمد نورها من هداية الله ، بعد أن رأت الأرض كلها مكر النظام العالمي الجديد ولصوصيته وحريته المزورة المكذوبة.

من المؤلم جداً أن هناك بلاداً بكاملها يتحدث فيها الجسم الديني دائماً عن وجوب نصرة الأنظمة الحاكمة ولم يحدث قط أن خطيب منبر تحدث عن حقوق الإنسان أو الاعتقالات الجائرة وسجن الأبرياء من دون محاكمة مشهودة أو عن قمع الحريات العامة ، ومنع حرية الاجتماع والرأي والصحافة والإعلام ..، أو عن الاضطهاد الديني وتدخل الأنظمة في كل كبيرة وصغيرة من شؤون الدين وهي تدعي العلمانية المزعومة ….. بل إن بعض المتدينين صار أداة قمع لما قل القمع ضده وصار يستجير بفروع الأمن لخنق خصومه بدل أن يواجههم بالفكر النظيف !!
ومؤسف أيضاً أن العديد من بلاد المسلمين سفك فيها من دم المسلمين ما يصبغ وجه الأرض كلها بالنجيع الأحمر القاني ، وامتلأت بهم السجون ثم تجد أكثر من يدافع عنهم علماني أو يساري أو قومي … لا تهتز بينهم عمامة واحدة تقودهم ، لأن الحكمة تقتضي من بعض السادات البقاء في المواقع الحساسة وحفظ أنفسهم من الهلاك ولو محقت الأمة … كي لا يخرب الإسلام ولا تخلو حفلات الأعراس والولائم من البركة الدفاقة ، من القطعي أنه لا تخلو الأمة من علماء يعشقون الحق ولكن غالبهم مقموع يموت ببطء في بيته بعدما ملأ الظالمون حياته ظلماً وحصاراً. …

علينا أن لانتكلم سراً عما نوقن أنه الصواب ، وكفى تيهاً في سراديب التاريخ وجناية المصطلحات ، ووهم العافية .. وعلينا أن نتعلم أن صلاح الحياة الدنيا والآخرة قرين بكرامتنا عند الله ، و(إن أكرمكم عند الله أتقاكم) .. ,اننا يجب أن نسير في طريق كرامتنا ونترك القعود ، ونبحث عن أقصر الطرق إلى الصواب .
لقد توهم بعض الإخوة الصواب في العزلة فجمعوا حولهم أنصاراً يعيشون جميعاً في قوقعة ما ولا يقدمون للمجتمع شيئاً بل شأنهم الانتقاد لكل عامل تعويضاً عن نقص العمل لديهم ، فعملهم الأساسي انتقاد كل عامل في جيوب مقفلة لا تتسلل الشمس إليها فيحيط بها الغلط ويلفها إذ مامن أحد يشهد لها.

وآخرون لديهم إخلاص وهمة .. ولكن الفكر العسكري والصدامي هو القائد ، يدفعون الأثمان الباهظة لأمور بسيطة ويوقعون الأمة في النكبات التي لم يدرك بعض الغيورين أبعادها بعد .. ابتداءً من حادثة نيويورك العصماء التي نعتقد بعدم جوازها شرعاً ، ومروراً بما يحرضون به بعض الشباب الصغار من أن العنف وحده هو طريق فوز الإسلام ، ولو جنى أفدح الكوارث عليه.
لقد مرت بالعالم الإسلامي تجربتان ملفتتان للنظر خلال الشهر الماضي : أما الأولى فهو فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس الكاسح في فلسطين ، وهذا نصر لا بد له من تتمة ، ولكنه رفع معنويات المسلمين في الأرض وأوضح لهم أنه لا يموت حق وراءه مطالب وأن العمل القليل المستمر فعال ، وأحب العمل إلى الله ماداوم عليه صاحبه.. وأن سنن الله في نصرة الإيمان بل حتى ماوعد الله به من التمكين للأمة ليس بعيد المنال.

أما التجربة الثانية فهي انتهاك دانيمركي سافر وعدوان لئيم على مقام النبوة وعلى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وبارك الله في كل من بذل أدنى جهد في نصرة الرسول الهادي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
ارتجفت من أعماقي وأن أقرأ ملصقاً وضعه شباب غيارى على الإسلام ، وقد كتب فيه : نحري دون نحرك يارسول الله ….. وصدق أولئك الشباب فنحورنا وأهلنا وأرواحنا وأبناؤنا وأرزاقنا كلها تحت قدميك فداء لك يارسول الله … حاشا للظلام أن يخدش النور ، وحاشا لتراب الأقدام أن يطاول الثريا ….
هاتان التجربتان لاتتوقفان عند خصوصيتهما ، وأقول أن على العالم الإسلامي أن يكتشف نفسه وقوته وفعاليته ، وعليه أن يتخلى عن خوفه أو تهوره .
تجربتان ناجحتان ، الأساس فيهما عمل صغير تراكم فأينع ، وجهد صادق بر فوفى … وحركة صحيحة مضت فأصابت.
لنبحث عن المشروع الذي نقوم به جميعاً ، المشروع ذي التكلفة القليلة والمردود الهائل ؛ المشروع الذي ليس فيه خسائر إن لم يكن فيه أرباح (بل هو الربح كله) ، المشروع الذي يجبر الخصم على الاستسلام بعد أن صار الاقتصاد مهدداً والتجارة معطلة والمصالح في خطر ، والأمور مرشحة للمزيد من التأزم.

تعلم التفكير الجماعي أفراداً وجماعات وشعوباً فريضة لاسير دونها ، وكذلك الخروج من أزمة الديكتاتورية الخانقة التي بدأت في السياسة فطوت تحت جناحها كثيراً من أصحاب العمائم والدعاة ، ثم طالت أهل الجهاد فاستبدوا بقرارات جلبت على الأمة المسلمة من البلاء الذي يمكن تفاديه ما لايعلمه إلا الله.
عندما كان المسلمون يذبحون في البوسنة كان الكثيرون متحرقين للذهاب إلى الجهاد العسكري والكسول فينا من فكر بالتبرع بالمال ، ونسينا أن خطوط الإمداد والتموين والدعم الخلفي أهم بكثير في بعض الأحيان من خطوط الالتحام الأولى! وعندما قال الرئيس الفرنسي وقتها أن أوربة لن تسمح بقيام دولة إسلامية في وسطها ، لم يطلب وقتها الرئيس المجاهد علي عزت بيكوفيتش من الأمة المسلمة أن تدعمه بجيوش من الرجال الذين يحبون الموت بل قال أطلب من المسلمين في العالم أمراً واحداً : مقاطعة العطور الفرنسية! واخجلتاه منك أيها الإسلام فلم يصلنا صوت بيكوفيتش وبقي أهل الأناقة في العالم الإسلامي يصرفون حتى الآن مليارات الدولارات على العطور ومن لم يصدق فليسأل أهل الجزيرة العربية والخليج …

في الولايات المتحدة وقبل سنوات دخلت فتاة أميركية في الإسلام فطردت من عملها في شركة ضخمة لارتدائها الحجاب … لم يقم أحد بتحريض شاب على الاغتيال أودس متفجرة هنا أو ذبح مدير الشركة ذبح النعاج … انتصاراً لكرامة الأخت المسكينة والإسلام العظيم ، بل قام مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية بتوجيه رسالة يطلب فيها إعادة الأخت إلى العمل ويشرح وضع الحجاب في ديننا (فبعد الهداية مطلوب ولا يجوز أن يغيب عن خطابنا) وتجاهلت الشركة الموضوع وبدأت حملة بين المسلمين لمقاطعة بضائع الشركة الممتدة في كل الولايات المتحدة! وتراجعت الشركة بعد الإصرار الإسلامي ، رغم أنه لم يكن شديد القوة ، فأعادت الأخت واعتذرت من المسلمين.
أما شركة نايك للملبوسات الرياضية فقد صنعت حذاء في مؤخرته مايشبه لفظ الجلالة، ورفضت الاعتذار ، وبدأت المقاطعة بداية من شعب ماليزية ثم الكويت .. ثم العديد من الجهات ؛ فاعتذرت الشركة عما فعلت وتعهدت بعدم التكرار وبإتلاف كل موجود من البضاعة الخبيثة.

هذه الأمور ليست ابتكاراً مفاجئاً بل علم واسع يسمى المقاومة المدنية ، وصار له أسس وقوانين ، ومقاطعة المجتمع المسلم لكعب ابن مالك رضي الله عنه مع الذين خلفوا وجه آخر من ذلك ، وفعله رضي الله عنه في إحراق كتاب ملك الروم إليه نوع من ذلك ، وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بترك أكل اللحم لما غلا ؛ نوع من تلك المقاومة لظرف اقتصادي ،

هناك موضوع لابد من ذكره ، وهو التجيير الساسي من قبل بعض الأنظمة لتلك الحادثة وأحرى ببعض الدول أن تسن قانوناً واضحاً يمنع سب الله والرسول فيها قبل أن تظهر نفسها حامية لحمى الإسلام في الأرض. ومن الصواب ماذكره باحث قنوني ومستشار مالي في إحدى القنوات العربية حين طالب الحكومات العربية وخصوصاً حكومة بلاده أن تترك الأمر بشكل عفوي. فمن الواضح تماماً أن بعض البلدان العربية التي تأتي في مقدمة الدول التي تقمع الحريات والحقوق قد ركبت الموجة بشكل لافت للنظر بل ومفضوح!

في إحدى الدول خرج حوالي خمسة عشر شخصاً بينهم أخوات في مظاهرة متواضعة أمام السفارة الدانيماركية في بلادهم ، ولكنها تعبر عن ألمهم مما حصل ووقفوا لا يدرون ماذا يفعلون فلم يسبق لكثير من المواطنين العرب أن خرجوا في مظاهرة غير التي تمجد الحكام بارك الله فيهم ، وهم لايعرفون حقيقة ماذا يفعل الناس في المظاهرات عادة! وجاءهم شرطي طيب! قال لهم: اهتفوا: لاإله إلا الله!

ومن الملاحظات المهمة جداً أن يكون الاحتجاج والمقاطعة دقيقة ولا تركبها العاطفة الدفاقة، والتجييش السياسي ، والبارحة مساء الخميس الثاني من شباط ظهر في قناة العربية لقاء مع رئيس وزراء الدانيمرك واتصلت القناة بممثل لمسلمين دانيمركيين فقال أن ماذكره رئيس الوزراء يعتبر اعتذاراً ، ورفض الشيخ سلمان العودة ذلك الاعتذار؟ وقال المسلم النرويجي : أن ينبغي إدراك اختلاف الترجمة والنقل [والعبارات التي ذكرها رئيس الوزراء تعتبر اعتذاراً بالمقاييس الدانمركية].

إننا لانشك في أن هناك من يكيد بالإسلام ويحاول أن يهينه ويسيء إليه ، ولكن المبالغة في الخصومة ينبغي أن تدرس جيداً وتحسب الآثار المترتبة عليها ، ولا نريد للمسلمين في الغرب وجالياتهم وأقلياتهم بعد أن اعتذر رئيس وزرائهم أن يتعرضوا لضغوط نحن لانشعر بها ولا ندركها ، والمسلمون الذين فرحوا بحادثة نيويورك العصماء لم يحسوا بما دمرته للمسلمين في الأرض وهو شيء أعظم بكثير من أي كسب متصور(هذا إن كانت تصح شرعاً ونحن لانعتقد بذلك). ونخشى أن تبقى التصريحات النارية بدل التخطيط المحكم هي السائق في وضع لايخفى ضعفه على أحد!بل علينا بعد أن تم الردع أن نتصرف بدقة بالغة وأن نرى ماهي المصلحة الآن وخصوصاً للمسلمين هناك قبل إطلاق عبارات تحمل ولا شك غيرة هائلة على الإسلام ولكنها بحاجة لحساب دقيق!

ماعمله المسلمون في العالم من مقاطعة البضائع النرويجية عمل رائع يؤسس لخير عميم إن بقي فقهه واضحاً والأحرار القائمون به كثيرون ، والتخطيط له محكماً ودقيقاً ، وما يواجه المسلمين وماسيواجههم كثير ولكن الأساس في نجاحهم هو مقدار مايتحررون به من سلطان الخوف الأول الذي شل ألسنتهم في بلادهم وقمع نواديهم ومؤسساتهم وصحفهم وجمعياتهم … فإن الحرية شيء لايمكن تجزيئه ، والشعب المسلم المقموع في بلده لن يحل مشكلة في بقعة أخرى من أرض الله ، أو سيكون له دور محدود وعليه أن لايقع فريسة التجيير الخاص..
بداية الفعالية من الداخل ، ضعفنا الأول من الداخل ، انبعاث الخير فينا من الداخل .. من إدراك الإيمان وقوته ، وتقوية الجماعة الواسعة المتفقة على الخير وتناغمها … بعيداً عن الخوف أو التهور … وإن نصر الله قريب.
أسئلة وأجوبة مهمة :

تأتينا من كثير من الإخوة ملاحظات وأسئلة بعضها فقهي وبعضها سياسي وخطنا الأساسي دعوي لذا نأمل إحالتها على المتخصصين بذلك …
ولكن هناك أموراً ربما تحتاج لبيان لأنها تؤثر على الكل ومنها على سبيل المثال : الموقف من تحالف الإسلاميين مع الأستاذ عبد الحليم خدام أو مع اللواء رفعت الأسد وغيرهم من المخلِّصين لسورية وشعبها المظلوم …
الجواب : بعد استقراء لرأي العديد من العاملين الإسلاميين في داخل سورية فإن الحركة الإسلامية بمجملها وبمختلف امتداداتها واجتهاداتها ترفض رفضاً قاطعاً التعامل مع هذين الرجل مهما كانت الأسباب وتعتبر أنهما المسؤولان الأساسيان الأحياء عن الحالة المزرية التي وصل إليها الشعب السوري ، وأمامهما ملف هائل من القضايا القانونية والجرائم التي لايمكن معها التعامل معهما بحال ، ولا يوجد شيء مشترك بينهما وبين أي مسلم ملتزم أو وطني نزيه ، ومن الملفات على سبيل المثال وغالبها مشترك بينهم : تدمير مدينة حماة ، استئصال الإسلاميين في سورية ، إعدام الآلاف من خيرة كوادر سورية الإسلامية والوطنية ، مذابح تدمر ، مصادرة حرية الشعب السوري وتمريغ كرامته ، تحويل سورية إلى بلد بدائي ومتخلف ، نهب أموال الأمة ، تحقير الدين وأهله والاستهزاء السافر بالإسلام ، مصادرة المؤسسات والنقابات والاتحادات … إهانة المسلمين جميعاً عن طريق نشر سب الله والدين في مؤسسات الدولة ومرافقها … خلع الحجاب عن رؤؤس الحرائر .. إدخال النفايات المشعة .. زرع الحساسيات الطائفية … تجاوز القانون ونشر الفوضى وفكر العصابات بين كوادر الدولة … تخريب البنية التحتية للبلد … تهجير عشرات الألوف من خيرة كوادر سورية … المتاجرة ببلادنا المسكينة …. وغير ذلك مما لايحاط به في هذه العجالة ….
أما عما تناقلته وسائل الفضائيات عن استعداد بعض الجهات الإسلامية للتعامل معه بشروط … فنقول : إن الأستاذ خدام قد غازلها في قذيفته الإعلامية فغازلته .. وهو أمر مفهوم في السياسة نتحفظ عليه ، وفيما نعلم لم يصدر أي شيء رسمي فيما نسمع عن أي طرف إسلامي سوري لقبول تعاون حقيقي.

السؤال الثاني: يتعلق بالدخول في أحزاب إسلامية أو غيرها عند صدور قانون جديد للأحزاب.
الجواب : إن شهوة السلطة لا ينبغي أن تترافق مع عملنا الدعوي والشرعي ، وما لم يكن هناك تغيير دستوري جذري ، وإلغاء للمادة التي تقول بوجود حزب ينفرد بقيادة الدولة والمجتمع ، وما لم يُلغ قانون الطوارئ ، والقانون 49 ، وتتوقف الممارسات غير القانونية ضد الشعب وخصوصاً تجاه الدعاة والعلماء ، وما لم يكن هناك حرية كاملة للأمة فأعتقد بعدم صواب المشاركة في أي نشاط لأنه سيكون نوعاً من التمويه وتبييض الأوراق .. وعندما تتغير الظروف فتقدر المصلحة والضرورة بقدرها ، والعمل الأساسي الآن هو التغيير دون أن يلغي هذا استعداد من له كفاءة في أن يجمع القوى ويتحاور مع الأقران ، وينشر فكره بين الناس.

السؤال الثالث : هل يجوز التعاون مع الولايات المتحدة وغيرها لتغيير النظام السوري
الجواب : على الإسلاميين أن يدركوا أن الحكم ليس هدفاً لنا بل الهدف هو العدل ، وإقامة الحق ، فأي طرف وطني يقيم ذلك فليس لنا معه أية مشكلة ، أما الاستقواء بالخارج فمن الثابت في الشرع والسياسة والمنطق أنه لا يوجد شيء دون ثمن ولن نرضى أن ندفع لأحد أي شيء على حساب بلادنا ، والتغيير يجب أن يكون من الداخل وبأيدي أبناء الأمة لا الدخلاء .. وقد صبرت الأمة طويلاً ويمكنها التحمل فالتغيير سنة قادمة نحققها بأيدينا ؛ كي لاننتقل من ظلم ذوي القربى إلى ظلم من لا يخفى ظلمهم على أحد.
والله تعالى أعلم.
نرجو الله تعالى لجميع الإخوة عاماً مباركاً مليئاً بالخير والتوفيق والكرامة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أحمد معاذ الخطيب الحسني

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف كلمة الشهر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.