من وحي رحيلك عنا أيها القائد الشهيد عبد القادر الصالح

لم يبق في سورية حجرٌ إلا وتحته رفات شهيد، أو نبتة رويت من دماء الأبرياء، ولم تبق كوة إلا وصعدت منها إلى السماء روح مظلوم وأنات سجين أو بكاء يتيم، وصرخات أسيرة أو نشيج جائع أو مهجر ولاجئ.

مأساتنا غير مسبوقة في تواريخ الأمم، وشجاعتنا كذلك، فشعبنا يتقن الموت إن أحبه ويتقن الحياة إن عشقها، وفي الحالين لم يركع ولن يخضع.

عامان ونصف انتظر الجميع فيهما أن ننكسر في وجه نظام متوحش، فما خشعنا له ولا لمن وراءه وهم يمكرون بنا، ويعملون لوأد حريتنا واستقلالنا وكرامتنا.

لم تكن قوة النظام يوماً من داخله، بل من ضعفنا، ثم في مصادرة قرارنا عقوداً متلاحقة، بحيث صرنا في تيه عظيم، وتغلغل المرض بحيث احتاج إلى وقت طويل وسبب آلاماً شديدة لانتزاع سطوته من نفوسنا، ولكن الطاغوت الذي بغى في هذه الأمة قد انتهى أمره، ووصول نعشه إلى قبره لن يطول.

فقدت الأمة خيرةَ شبابها وبناتها، ولكنها بقيت تلم جراحها في كل مرة، وتقف شامخة بعد ظن من يعاديها أنها قد انتهت، فإذا بها تتخطى الأهوال، بل تنجو من جرها إلى مصارع وخيمة، فصمدت في وجه التجويع والحصار، وثبتت في المنافي والمهاجر، وأفشلت الحرب الأهلية، وأزهقت مخططات للتقسيم، وبقيت تحمل الاعتدال والتوازن في فهمهما، وكسرت الآلة الهمجية العسكرية بصمود أبطالها، وأبقت أملاً يزداد بعمل مئات الألوف من أبنائها لفجر حرية قادمة، وخلاص من كل ظلم وطغيان.

استعار الشفق حمرته من دماء شهدائنا، حراً كريماً وراء حر كريم: غياث مطر، حمزة الخطيب، أبو فرات، فاطمة كريم، باسل شحادة، وعشرات الألوف ممن مشوا إلى الله بدمائهم، يتقدمهم اثنا عشر ألف طفل سُكبت دماؤهم في درب الخلاص، ثم توجهم أمير الشهداء عبد القادر الصالح وبعده كوكبة الإعلاميين الستة، وهم يدفعونٓ عن بلدنا هجمةَ الجراد المتوحش الذي لا يرتوي إلا بشرب الدماء.

شعبُ سورية اليوم رغم كل ما جرى له أكثر وعياً وتآلفاً، وأكثر إدراكاً وتوحداً وثباتاً، بل أعظم أملاً وتسامحاً ومحبةً وألفة، خلافَ كل ما أرادوا، وقد تعلم من تجاربه الكثير.

كل توحش النظام دليلُ عجز لا قوة، وانهيار لا تماسك، وما كان لنا إلا أن نشعر بالعزيمة، ونغلّبَ الأمل والثقة بالله، ونقول:
يا شعب سورية توحد في وجه كل ما هو قادم.. فقد أوشك الليل الحالك على الزوال.

يا أيها السوريون فلنحب بعضنا فهو باب استقرارنا، ولنزدد اتحاداً فهو مفتاح نجاحنا، ولنبق يداً واحدة في وجه كل ظلم واستبداد فهو سبب للقوة والنهضة، ولنستعد من أجل فجرنا ويومنا القريب.

يوم من الدهر لم تصنع أشعته ….. شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا

بلدنا أمانة عظيمة في أعناقنا، وخصوصاً أسرانا في السجون، والمضطهدات الحرائر الشامخات في الزنازين، والأيتام والأرامل والثكالى، وملايين المهجرين في كل صعيد.

سنبني وطننا المدمر مهما أثخنوا فيه، وسنعيد بلدنا الحبيب حراً كريماً يقوم على العدالة والكرامة، ويفيض بالحب والأمن والإيمان، وتسري فيه نسائم الحرية التي دفع شعبنا ثمنها غالياً من كل نفيس.

وسلام الله على شهدائنا وأسرانا ومهجرينا، وأهلنا الصامدين أجمعين.

أحمد معاذ الخطيب الحسني

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف مختلفة, منائر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.