وفاة العالم الشيخ عبد الغفار الدروبي رحمه الله .. والأستاذ المربي هاني الطايع رحمهما الله

فقد العالم الإسلامي عالمين فاضلين ومربيين قديرين كل منهما كان يشد ثغرة واسعة من ثغور هذا الدين ، وفيما يلي ترجمة لهما كتبها فضيلة الأستاذ الشيخ مجد مكي حفظه الله وهي منقولة من موقع :
www.islamsyria.net
اللهم اخلف هذه الأمة بخير وإن لله ما أخذ وله ما أعطى ، وإنا لله وإنا إليه راجعون

وفاة العالم الصالح المقرئ الشيخ عبد الغفار الدروبي
انتقل قبيل ظهر أمس الجمعة 20/محرم/1430 العالم الصالح القارئ المتقن الفقيه الواعظ المربي الفاضل الشيخ عبد الغفار الدروبي عن عمر ناهز التسعين عاماً، أمضاها في خدمة العلم والدين وتعليم القرآن الكريم .
وقد صلى فضيلة الشيخ صلاة الفجر إماماً في مسجده الذي يؤمُّ فيه ، وقنت في الصلاة ، وأطال الدعاء لأهل غزة المحاصرين.
وبعد أن أفطر الشيخ واغتسل ليستعدَّ لصلاة الجمعة وافاه أجله المحتوم في تمام الساعة العاشرة، وهو على أحسن حال وإقبال على الطاعة.
ومن علامات حسن الختام: وفاته في يوم الجمعة، ووفاته بعد صلاة الفجر جماعة، للحديث الذي رواه مسلم: “من صلى الصبح فهو في ذمة الله” ، و”من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي فتنة القبر “رواه أحمد والترمذي.
وقد غُسل الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ في مغسلة جامع اللامي بجدة، واجتمع ثلة من أحبابه وتلاميذه، وألقوا على محياه الطاهر نظرة الوداع ، ونُقل إلى مكة المكرمة ، ووصل جثمانه الطاهر إلى المسجد الحرام بعد صلاة العصر ، وكنت من جملة مشيعيه ، من جدة إلى مكة ، بصحبة الأخ الوفي الحفي الأستاذ عبد الرحمن حجار وفقه الله .
وقد اجتمع حول نعشه محبوه، وصلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة المغرب، وحُمل على الأكتاف إلى مقبرة المعلاة، ووسَّده في قبره حفيده القارئ الشيخ عبد الغفار بن فيصل الدروبي، ومحبه وتلميذه عبد الرحمن حجار ، وكان من العلماء الحاضرين والمحبين المشيعين : الشيخ ممدوح جنيد، والشيخ محمد علي الصابوني، والشيخ أبو النور قره علي ، والدكتور منير الغضبان ، والدكتور عبد المهيمن طحان ، والشيخ ياسر المسدي ، والشيخ عبد النافع الرفاعي ، والدكتور : محمد بشير حداد ، والقارئ الشيخ هيثم حبال ، والقارئ الشيخ يحيى بلال ، والقارئ الشيخ موسى بلال ، والدكتور طاهر نور ولي ، والدكتور الفقيه علي أحمد الندوي ، ومن أحبابه : الأستاذ حسام السباعي ، والدكتور عباس زغنون ، والدكتور حسان شمسي باشا ، والمهندس الأستاذ منيب رجوب، والدكتور نسيب رجوب ، وأبناء فضيلة الشيخ عبد االعزيز عيون السود، وأبناء فضيلة الشيخ وصفي المسدي ، وعدد كبير من فضلاء مكة وجدة نعتذر عن عدم استيفائنا لأسمائهم الكريمة،فما كان حضورهم ليذكروا وإنما كان لينالوا الأجر بتشييع شيخهم، ويعلنوا عن حبهم وولائهم لعالم تقي ورع أفنى عمره في طاعة الله، وتعليم القرآن ونشر العلم وخدمة تلاميذه ومحبيه.
وقد صلي على الشيخ رحمه الله ظهر اليوم السبت صلاة الغائب في مسجده وأم المصلين نجله فضيلة الشيخ المقرئ فيصل الدروبي , وأقيم عزاء الشيخ في مكتبة جامع النوري الكبير بحمص.
والشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ من مواليد حمص 1338=1920 ودرس فيها وعلى علمائها، فحفظ القرآن الكريم في الكتاب على يد الشيخ مصطفى الحصني، وتعلم الكتابة والحساب على الشيخ أحمد الترك، ثم التحق بالمدرسة العلمية الوقفية فدرس فيها على العلامة زاهد الأتاسي الفقه الحنفي والعلوم الاجتماعية، و الشيخ محمد الياسين بسمار، والشيخ أنيس الكلاليب، وأخذ عن الشيخ أحمد صافي، والشيخ سليم صافي، وأخذ أيضاً عن والده الشيخ عبد الفتاح الدروبي، درس عليه القراءات العشر، وعن الشيخ عبد العزيز عيون السود، قرأ عليه القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة، ودرس على العلامة عبد القادر الخوجة الفقه والحديث والتفسير، وأخذ الفقه الشافعي عن العلامة طاهر الرئيس الحمصي.
عيِّن إماماَ في المساجد بقرى حمص، ومدرساً للعلوم الدينية في المعهد العربي الإسلامي بحمص، ثم في المعهد العلمي الشرعي، وكان إماماً لمسجد (جورة الشياح) وقد تميز مسجد الشيخ (جامع الدعوة )في مدينة حمص بمنطقة جورة الشياح الذي كان خطيبه وإمامه , بأنه كان منبرا لدعوته وعلمه وتخريج طلابه , وما من أحد من أهل حمص الذي عاصروا الشيخ إلا ويذكر كم كان لهذا المسجد من دور كبير في النهضة الإسلامية وقتما كان برعاية شيخنا رحمه الله , وبفضل الله تم تجديد بناؤه وتوسعته لتتضاعف مساحته حوالي 3 مرات بعدما أصبح لا يتسع للمصلين في الصلوات العادية فضلا عن صلاة الجمعة ,ويعرف الآن ب (جامع الشيخ عبدالفتاح الدروبي).
انتقل إلى مكة المكرمة عام 1401 من الهجرة، وطفق يدرس القرآن والقراءات العشر بجامعة أم القرى حتى عام 1418. ومن الذين أخذو عليه القراءات: محمد بن عبد الله الشنقيطي، ويحيى عبد الرزاق غوثاني، وهيثم الحبال، وراضي إسماعيل، وعبد الدائم المغربي، وعبد الرحيم المغربي، وحفيده عبد الغفار الدروبي، وعلي السنوسي، وأحمد باتياه، وسعيد عبدالدائم، ويحيى بلال الهندي، وغانم المعصراني الحمصي. وسنوافي القراء الكرام بترجمة موسعة لفضيلة الشيخ في ركن التراجم في موقعنا إن شاء الله .
كان الشيخ نموذجاً يقتدى به في الورع والزهد والصمت والرضا عن الله عز وجل والتوكل عليه والصبر على البلاء والمحن . وكان مجلسه مجلس وقار وخشوع يعلم الأدب والتواضع وعفة القول وسلامة الصدر .
قال تلميذه الحفي الوفي بشيوخه الأستاذ حسام السباعي :
رحمك الله يا شيخنا ، يا قدوتنا ، يا أستاذنا ، يا معلمنا ، رحمك الله رحمة واسعة ، فقد نزلت بضيافة الله و تلقتك ملائكة الله ، فقد قلت لي ليلة وفاتك و نحن عائدون إلى منزلك بابتسامتك المشرقة : “إنني أنتظر لقاء الله” و ليس غريب على أمثالك من أهل الصفاء و المعرفة أن يقول مثل هذه الكلمة عندما يستشعر بقرب اللقاء. فقد كان لك ما انتظرت و فتحت لك السماء أبوابها لاستقبال روحك الطاهرة بعد أقل من عشر ساعات من قولك لي هذه الجملة.
فقد كان لقاء الله في يوم الجمعة بعد ان اغتسلت و صليت و قرأت تنتظر الصلاة ، هذا اللقاء الذي تنتظره بكل شـوق و حب و استـعداد تام ، فهنيئا لك يا سيدي ما قدمت لهذا اللقاء ، هنيئا لك بلقاء الأحبة محمدا و صحبه ، هنيئا لك بمثواك الأخير بجوار السيدة خديجة رضي الله عنها.
هذا العالم الرباني الجليل الذي اتصف بصفات السلف الصالح رضوان الله عليهم.
إنـه الشيخ عبد الغفار بن عبد الفتاح الدروبي ، المربي الزاهد ، الفقيه المحـدث ، القارئ المقرئ ، الــنحـوي الشاعـر ، المجاهـد الصابـر ، الأب الرحيـم ، الزوج العطـوف ، صاحب الفضائل و الشمائل التي تندر أن تجتمع برجل واحد.
تجلت بشخصيته أسمى معاني الصبر و الثبات على المبدأ في زمن الفتـن و المحن و تبدل الثوابت ، رأيت في شخصيته معاني التوكل و الإيمـان العميق الذي يزداد تألقا يوما بعد يوم ، عالما متواضعا بكل معاني التواضع،
تجــلت شخـصيته بمعانـي الزهـد الـحـقيقي ، و الرضا القلبي ، و الوقار ، و الحيـاء ، و الصمت و الملاحظة ، فقد كان قرآنا ناطقا متحركا ، يهيمن القرآن الكريم بأخلاقه و معانيه السامية على كل حركات الشيخ و سكناته. من رآه من بعيد هابه ، و من رآه من قريب أحبه ، و من جالسه و عايشه عشقه ، لما يرى فيه الناظر و الجالس و المعايش من صفات الهيبة و الوقار و الكمال و الجلال.
كلامه مسك و عنبر ، نظراته مختلفة عن باقي البشر ، صمته يذكرك بصفة سيد البشر ، حنانه و عطفه على كل البشر ، الصغير و الكبير ، و القريب و البعيد ، الزوجة و الإبن و الأحفاد ، يشهد بذلك كل من عرف و عايش الشيخ عبد الغفار.
رحمك الله يا سيدي يا أبا فيصل رحمة واسعة ، و عوض الله الأمة الإسلامية من أمثالك ليكونوا كما كنت ، و نسأل الله الذي أكرمنا بصحبتك في هذه الدنيا أن يحشرنا معك يوم القيامة تحت لواء النبي المصطفى صلى الله عليه و سلم ، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رحم الله الشيخ رحمة واسعة ، وجزاه خيراً عما قدَّم من علم نافع وعمل صالح مبرور ، وعوَّض المسلمين خيراً عن فقد علمائهم و صلحائهم الذين قل نظيرهم في عصرنا هذا .

بسم الله الرحمن الرحيم
انتقل إلى رحمة الله تعالى في صباح يوم الثلاثاء 17/1/1430 الأخ الكريم الداعية المربي الأستاذ :هاني الطايع (أبو ربيع)، وهو من خيرة من عرفت من الدعاة الأوفياء.
والأستاذ أبو ربيع من مواليد اللاذقية 19/تموز /1936م، درس اللغة العربية في جامعة دمشق وتتلمذ على كبار العلماء فيها وتعرف على الدكتور مصطفى السباعي ، وأصبح من أقرب تلاميذه إليه ، وكان له دور في إدارة مجلة حضارة الإسلام . انتقل في أواخر الستينات الميلادية إلى دولة قطر فكان أحد رجالاتها المساهمين في نهضتها التعليمة من خلال اشتراكه في وضع المناهج الدراسية.
وتعود صلتي به منذ أكثر من عشر سنوات في أول لقاء لي به في منزل الدكتور عبد اللطيف الهاشمي، وكان حديثه عن ذكرياته بأستاذه السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ.

وأُعجبت بوفرة المعلومات، ودقة التحليل، وروعة الأسلوب…وأسرني بحسن إلقائه وجميل مودته وكريم صلته.
وتتابعت لقاءاتي به في زياراته المستمرة لجدة، وتوثقت صلتي به، وكان دائم السؤال لكل جديد في عالم الكتب، ولا أعرف مثيلاً له في حبه للكتاب، وحرصه على اقتنائه ومطالعته، ومتابعته المستمرة للثقافة بكل أفنانها.
أقام في قطر منذ أكثر من خمسة وأربعين سنة، وتربطه صلات وثيقة مع كبار الدعاة في العالم الإسلامي، فهو من خواص أصحاب الأستاذ السباعي، وقد أمد الدكتور عدنان زرزور، بإرشيف مهم عند قيامه بكتابته الواسعة عن الشيخ السباعي، وذكره في مقدمة كتابه عن الأستاذ السباعي، وأثنى على جهده وما بذله له من معلومات ووثائق.
وللأستاذ ـ رحمه الله تعالى ـ صلات وثيقة مع الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة والشاعر عمر بهاء الأميري رحمهما الله تعالى ،وعشرات من كبار العلماء الأثبات والدعاة الثقات، وذكريات عطرة عنهم، تأسر المستمع إليه فلا يكاد يملُّ من حديثه وفوائده.
وزرته منذ أكثر عام بيته في (الدوحة) عند حضوري لمؤتمر شيخنا القرضاوي ودُهشت لمكتبته الواسعة التي تكتظ بها جدران بيته الواسع… ولديه أرشيف ضخم يتضمن الكثير من مشاريعه العلمية والتربوية والدعوية واللغوية.
وكان آخر لقاء لي به في شعبان من السنة الفائتة، إذ حضر لشهود عقد ابنة ابنته وصهره الأخ مصطفى صباغ، وألقى كلمة رائعة جميلة، وتكررت زياراتنا له مع إخواننا الذين يتصل بهم، حيث كان يجد أنسه وسعادته مع أصفيائه وأصدقاءه في جدة من أمثال: الأخ الدكتور عبد اللطيف هاشمي، والأخ الشاعر سليم عبد القادر، والأخ الأديب عبد الله زنجير ، والأخ الإعلامي الأستاذ سداد عقاد… واجتمعنا في أمسية شعرية رائعة في بيت الأخ المفضال الكريم الأستاذ وليد الزعيم وحضرها مجموعة من الشعراء منهم: الأستاذ أحمد البراء الأميري، والدكتور محمد نجيب مراد، والدكتور محمد وليد، والأستاذ سليم عبد القادر، شارك فيها بتعليقاته الرائعة ونقداته الأدبية العميقة.
ألحَّ الإخوة عليه بتسجيل ذكرياته، وتدوين تاريخ الدعوة، وإخراج ما لديه من كنوز علمية، وكان يعد… ولكن لم يخرج شيئاً من تلك الآثار المكنوزة في صدره ومكتبته… ولعل الله يقيض من أبنائه؛الأخوين الكريمين: ربيع ومرهف، أو من إخوانه: صبحي وعثمان، أو من أصهاره من يحقق هذا الأمل المرتجى، ويستفيد من مكتبة الضخمة، وأرشيفه الواسع، نسأل الله سبحانه أن يتغمد الفقيد الكريم بواسع رحمته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد صلى عليه فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي ، وعقب مواراة جثمانه الطاهر ألقى كلمة عدد فيها مناقبه قال فيها :
علمت اليوم بالخبر، وكنت أتمنى أن أعوده، فقد كان بالمستشفى، لكنني لم أكن أعلم وقد جئت مؤخراً من سفر.. إنَّ من حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض، فما بالك إذا كان هذا صديقاً عزيزاً وأخا حبيبا؟ عرفناه سنين طويلة مؤديا لواجبه نحو أسرته، ونحو عمله، ونحو إخوانه، ونحو دينه ورسالته، لم يفرط في شيء.. وتابع قائلاً: كان أبو ربيع أحد الرجال الذين يتميَّزون بالعقل والفكر والقراءة والثقافة، فقد كان يقرأ كثيراً ويطالع كثيراً، وكنت أقول له: أود أن تكتب، وأحسبه كتب ولم ينشر، وأنصح أبناءه بأن يكلفوا بعض الشباب للبحث في مكتبته ونشره..
وذكر أنه كثيراً ما كان يستعير كتباً من مكتبة أبو ربيع، مشيراً إلى أنه: كان رجلا مثقفاً بل من خيار المثقفين، فالثقافة وحدها لا تغني، فكم من مثقفين باعوا ضمائرهم وأقلامهم، أما أبو ربيع فقد كان مثقفاً ملتزماً وصاحب رسالة في هذه الدنيا يعيش بها ويموت بها، ويضحي من أجلها، وهي رسالة الإسلام.. وكان طاهر السريرة حَسَن السيرة، وقد أحبه كل من عرفه، فإذا ازداد معرفة به ازداد حبا له، وهذا دليل من دلائل حب الله.. “ألسنة الخلق أقلام الحق”.
واختتم القرضاوي كلمته بقوله: لقد اختطف الموت منا رجلاً، والرجال قليل في هذا الوقت، الذي تُعاني فيه الأمة ما تعاني من حرب وحشية على غزة المرابطة المجاهدة، ودعا للمجاهدين دعاءً مؤثراً.
وكتب الأخ الشاعر الأستاذ سليم عبد القادر كلمة رقيقة في رثائه قال فيها :
رفـّت الروح عائدة إلى بارئها…لقد انتهت الرحلة… ورحل الأستاذ الأديب المفكر المربي الداعية هاني محمد طايع من دار الفناء إلى عالم الخلود…

رحل الأستاذ هاني(أبو ربيع) غريب الديار, وكان دائم الحنين إلى مراتع الصبا في اللاذقية، ولكنه حنين الكريم الأبي المؤمن، الذي يأبى أن يحني رأسه لغير ربه…رحل موفور الكرامة راضيا بقضاء ربه، فخسره أهل الأرض وربحه أهل السماء… وكأن أبا تمام كان يعنيه بقوله:

مضى طاهر الأنفاس، لم تبق روضة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
رحمك الله يا أباربيع، وأعلى مقامك في الخالدين)اهـ.

كتبه : مجد مكي
قبيل ظهر الثلاثاء 17/1/1430هـ

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف الأعلام, الراحلون, منائر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.