إعادة التوازن لما اختل من فهم للأمور الشرعية - حكم الاختلاط الثوري

” الأمور الشرعية اختل توازنها فاستغرق البعض مئات السنين في فقه طهارة لا يُسمنُ ولا يُغني من جوع , أمام نجاسةِ حكامٍ ما تركوا فضيلة إلا طمسوها “

كان هذا اقتباس من كلام الشيخ ” أحمد معاذ الخطيب الحسني” اثناء حوارنا معه والذي تشرفنا باستضافته ,ليجيبنا عن مجموعة أسئلة طرحها عليه شباب اتحاد دمشق للتغيير, متعلقة بضوابط الاختلاط في الأعمال الثورية بالاضافة لاسئلة اخرى حساسة ,حتى نعلم رأي شرعنا فيما يحفظ مصلحتنا ” دون إفراط أو تفريط.” وذلك ضمن منهاجنا الجديد لتعميق الوعي الفكري والديني والاجتماعي والسياسي في هذه المرحلة الخطيرة .

فمع طول مدة الثورة .. وتنوع متطلباتها ونشاطاتها من تظاهر وإغاثة , من أعمال سلمية ومسلحة .. أظهر شبابنا طاقات وقدرات لم نكن نتوقع وجودها;

وفي غمرة الثورة بدأت النفس تحيد أحياناً عن أهدافها, ولا معصوم بعد النبوة، فإذا نحن أمام فريقين فريق خاف الاختلاط وابتعد عنه مطلقاً فلربما قطع بذلك مصلحة كان يمكن أن تتحقق وفريق لم يتلفت لهذا واتبع نفسه وهواها … فإذا هو لا يجد حرجاً في الاختلاط وربما الخلوة أحياناً تحت شماعة الثورة …. وفي كلا الحالتين افتقدنا رأي الشرع وحكمته ..

==========================================

*** اعادة التوازن لما اختل من فهم للامور الشرعية ***

بهذه العبارة يمكننا ان نلخص فهم مجمل الأحكام الجريئة التي بنى عليها الشيخ معاذ الخطيب الحسني فتواه في اجابته على أسئلتنا .

بدأ الشيخ بشرح الأحكام الخمسة في الشريعة : وهي الحرمة ، الكراهة ، الإباحة ، الندب ، الوجوب ، حيث قال: كل شيء له حكم أساسي و لكنه ينتقل بين الأحكام الخمسة ويرجع إلى أصله ، فمثلا حكم الصلاة هو الوجوب (فرض) ولكن عندما يسقط حتى حيوان في بئر فيجب قطع الصلاة لإنقاذه ، وحكم الخمر هو الحرمة فإن خشي الهلاك على نفسه في الصحراء صارت مباحة في تلك الحالة ثم تعود إلى الأصل وهو الحرمة .
أما في موضوعكم فيوجد جانبان : ما هو محرم قطعيا ، وماهو داخل في الاجتهاد ،
- فأما ماهو محرم قطعيا لا نتجاوزه إلا بحال واحدة وهي الاضطرار الشديد كالخمر ،
- أما ماكان فيه اجتهاد ما فلا نلزم الناس كلهم به وإن ألزمنا أنفسنا ببعضه أو كله ..

فما هو الحكم الأساسي في موضوعنا : هل هو الحرمة أم الإباحة؟ وهل تنتقل الأمور لترجع إلى الحرمة أو الإباحة؟
من يقول بالحرمة فيعني أن الاختلاط بأي طريقة غير جائز أبدا إلا بالاضطرار الشديد ، ومن يقول أن الأصل هو الإباحة مع ضوابط فيعني ذلك أن هناك فسحة ما ..
وكي لا أبقى في التعميم ، إخواننا في السعودية مثلا غالبا من النمط الأول وفي الشام غالبا من النمط الثاني ، والذي رأيته في الحياة والواقع أن المنع الشامل مثل التفلت كلاهما باب عقد وإشكالات , ربما يسأل البعض : ومن الناحية الشرعية ؟
فأقول لكم : أن الاختلاط المضبوط هو الذي تؤيده الأدلة الشرعية وأنا مقتنع به ويمكن الاطلاع على تفصيلاته في كتاب : تحرير المرأة في عصر الرسالة للمربي الداعية عبد الحليم أبو شقة رحمه الله، وأقول بصراحة أنني أرى هذا الكتاب مرجعاً أساسياً لتحرير الإشكالات، وأنصح كل الإخوة والأخوات بالاطلاع عليه والاستفادة منه، وقد اعترض بعض الإخوة عليه، وكما نعلم جميعاً فإن كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب المقام صلى الله عليه وسلم.
هذا الكتاب حورب حقيقة من أطراف كثيرة أرى أنها غارقة في التحنيط الفكري للأمة وهي متعصبة لاجتهادات ضيقة، أرى أنه من غير المناسب أبداً أن يحكم الإنسان على شيء دون الاطلاع عليه، وأرجو من كل من لديه انتقاد أن يقرأ ثم يعترض.
هناك بعض أجزاء من الكتاب في (النت) ويمكن الاطلاع عليها لزيادة توضيح المسألة.
بعد هذا أقول: و نقاشنا هو إنما هو فيما ينشأ من إشكالات بسبب هذا الاختلاط المضبوط !
أول شيء: ما يفسد قلبك فاتركه ، فصلاح قلوبنا هو أهم الأمور ، ولكن يجب أن نبذل كل الجهد للارتقاء بمشاعرنا، والتفكير الدائم أننا أصحاب رسالة وعلينا أن لا نفكر بضعفنا ونجعله بوابة تعاملنا ، بل نكون أقوياء حتى في لحظات الحرج .. قدر استطاعتنا
==========================================

- أما فيما يتعلق بالقيام باجتماع ثوري مختلط ,
فان مايواجه الإنسان: إما ضرورة وهي مالايمكنه البقاء من دونه مثل الطعام والشراب، أو حاجة: وهي مايستطيع الإنسان الاستغناء عنه ولكن بمشقة كالمسكن، وهناك تحسينيات وهي كماليات لحياته كأثاث المنزل .. وبالنسبة للاختلاط فظرفنا يجعله مباحاً حسب الحاجة لا الضرورة، إذ الأمر الآن ليس معادلة بسيطة من الدرجة الأولى، بل من درجات معقدة، ووضع الثورة نستخدم فيه الحاجة لا الضرورة لعدم إيقاع الأمة في الحرج. وهناك فكرة عظيمة ذكرها الإمام الجويني في كتابه غياث الأمم في التياث الظُلَم حيث يقول: أن الحاجة إذا عمت الأمة تنزل بمنزلة الضرورة بحق الفرد.
لذا قال الفقهاء أن المرأة مثلا تخرج إذا وقع النفير في الأمة حتى دون إذن من زوجها.
وبناء على ذلك فإن ضبط أمورنا يقتضي أن يكون أي اجتماع حسب الحاجة من دون تمييع وضمن كلام جاد وحسب ما يلزم من الوقت ، وبصراحة : إن لزمنا وقت نصف ساعة فليكن نصف ساعة ولنعلم أن من هوى النفس أن نمدده ونستغرق في الكلام غير الجاد نصف ساعة ثانية لوجود أخوات .
أما المزاح مثلا بين الإخوة والأخوات فلا داعي له إلا بالشكل الفطري العفوي وكل واحد منا يعرف أين قلبه ونيته ، و ليس حراماً التعليق العفوي والطرفة التي تأتي من دون قصد ولا نية خاصة، ولسنا خُشُبا ولا أحجاراُ , ولكن علينا أن نراقب الله تعالى في نوايانا, كما لا نريد لهذا الباب أن يصبح مشغلة لنا أوقصدا يحجزنا عن كثير من أمور الخير .
هناك أمر مهم كذلك وهو أن ماقد يخالط قلوبنا نتبعه بالاستغفار، ونشد هممنا إلى مقامات أكثر تحليقاً في الخُلُق المتين، وقد كان الأعرابي يسوق الظعينة فلا يفكر معها بسوء، ويرجع بناقته وعليها كنوز كسرى فلا يخطر في باله أن يمد يده ولا عينه بها، ومن علامات ظهور الإسلام كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم أن تسير الظعينة من صنعاء إلى حضرموت لا تخشى إلا الله والذئب على غنمها، أي لا يتعرض لها أحد بسوء وهي وحيدة في الصحراء، وهذا من عظمة وخُلُق الأمة الرفيع الذي يجب أن يعود فينا.
==========================================

- ما هي نصيحتك في مجال استخدام وسائل التواصل الاجتماعية الاستخدام الصحيح بعيداً عن الوقوع في المحرمات ؟
التواصل عبر وسائل الاتصال هو وسيلة وعندما يصبح غاية فيتحول من الإباحة إلى الكراهة فإن ساق إلى حرام فيصبح حراماً ،فنحن نريد عملاً صالحاً وتقوى وعقولا ناضجة ايضا .. (الفيس بوك) حقيقة مضيعة شديدة للوقت ولا نريد أن نغرق فيه ولو استخدمناه، ونريد أن نستخدمه بتوازن، وتعويد أنفسنا على القراءة مهما كانت بسيطة، والتواصل مع الناس يخفف من غلوائه.
==========================================

- هل يجوز الخروج مع فتاة بمهمة ثورية؟ أم هذه خلوة محرمة؟
الأمر يكون حسب الحاجة .. فأحيانا تضطر امرأة للخروج لوحدها في مكان مخيف لدرء أذى أكبر مع احتمال تعرضها لإشكال ما ، و إن لم يكن للخروج داع حقيقي فلا لزوم له وليكن بعلم الإخوة و الأخوات وضمن ضرورة العمل وليس الميل الشخصي ..
وهناك أمر مهم وهو تفعيل دور المرأة، وحقيقة فإن دور المرأة في الثورة السورية لا يقل عن دور الصحابيات في صدر الإسلام، قبل أن يطمس دورها وتهمش جملة وتفصيلا. مشاركة الأخوات تضاعف قوة الثورة والحركة ولكن لا نريد أن يصبح الأمر نقطة ضعف لنا بل قوة , وعلينا أن نتخذ كل الأسباب التي تبقيه قويا ، وخاصة أن هناك مواطن لا يحسن التصرف فيها إلا الأخوات، ومما ذكره الغزالي المعاصر أن بعض النساء المسلمات في عهد الصليبيين كن في قلعة شيزر (غرب حماة) والرجال في الجهاد، فأحاط الصليبيون بالقلعة، فصعدت النساء إلى الأسوار وقررن أن يرمين أنفسهن في حال اقتحام الصليبيين لقلعتهم، بينما اقتحم فارس على المسليمن يوم الخندق وجبن بعض الرجال عن مواجهته، فإذا بصفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم تتصدى له بالرمح وتبعثه إلى قبره. فسبحان الله أين كانت تربية الأمة وأين صارت.
==========================================

- هل توحش النظام يدعونا إلى تقليل مشاركة الأخوات في الحراك ؟
النظام يتصرف بتوحش حتى مع من هو داخل بيته ، ولكن كلما ازداد توحشه يجب أن نحافظ على أخواتنا ويصبح الأمر داخل الأحكام الخمسة, فما فيه ضرورة شديدة للأمة اقتحمنا الخطر من أجله لما للأمر من ضرورة, ومايمكن إيجاد بديل له فهو أفضل من دون إعاقة العمل ولا التفريط في الأمور.
الحفاظ على العنصر البشري مهم جدا وأساسي في عملنا، و ليس ضعفا ولا خوفا بل مقارنة مصالح ودرءا لمفاسد أكبر ,يتشارك في ذلك الأخوات والإخوة جميعا.
==========================================

وسئل الشيخ عن الفتيات (سواء المحجبات او الغير محجبات) اللواتي يقمن بنفس الحركات الحماسية التي يقوم بها الشباب في المظاهرات كالقفز والتمايل على نغمات الهتافات فقال :
أقول أن هذا الامر لا يناسبنا كملتزمين ولا يحسن بالفتاة التي تعتبر نفسها ملتزمة سواء محجبة او غيرها ومايحصل عفوا فهو مسكوت عنه ولكن علينا بالنصيحة الأخوية إن أمكن , وإلا فاتركوهن .. لأن هذه الفتاة قد تكون أقرب إلى الله من صاحب عمامة يُدرِّس في الليل والنهار, يُكبر الصغير ويُصغر الكبير والخطير من الأحكام بكل فظاظة, ثم في آخر الليل تجد أنه مخبر دنيء ..
هذه الأمور دواؤها التربية الطويلة والتناصح والتوعية وليس التعالي أوالإكراه.
أعيد وأذكر: بأن هذا ما أعتقد أنه الصواب، وإذا وجد أي أحد شيئاً في الكلام يفسد قلبك فليرمه قولاً واحداً وليتمسك بما يحفظ عليه استقامته ودينه ..
اللهم إن يكن من خير فمنك وحدك وإن يكن غير ذلك فمن شر نفسي أستغفرك لما أعلم ولما لاأعلم .
أسأل الله أن يحفظكم جميعا ويجعلكم مفاتيح لكل خير مغاليق لكل شر ..
==========================================

وجه أحد الشباب سؤاله قائلاً : نعلم أن من الضوابط الاسلامية عدم المصافحة بين الرجال والنساء, ولكننا نرى أحياناً قدوات في السياسة الاسلامية يقومون بهذ الأمر على العلن وفي الإعلام وأذكر منهم السياسيين الاسلامين الذين نجحوا مؤخراً في الدول العربية.
فهل يتغير الحكم مع تغير الظروف, وهل تجيز الضرورة مثل هذه المخالفات, أم أنهم مخطئون في ذلك؟
فأجابه الشيخ معاذ :هل الأساس فيه هو الحرمة؟ أم الاباحة ؟ الذي أعتقده أن رأي القرضاوي والغزالي هو الأصوب وأن الأصل فيه الإباحة, ولكن من يفتح الأمرعليه باب سوء فحفظ نفسه هو الأصل.
بعض المتدينين جعلوا المصافحة من أكبر الكبائر وهي عادة عند الأمم وعندما تؤدي إلى مفسدة فكل إنسان أدرى بنفسه، ولكنا لا نمنع جميع الناس منها ، طبعا هذا لا يعني استباحة الأمر والذي لا يصافح لانلزمه بها والأخت التي لا تصافح لانميع لها الموضوع .
وقد زارني في بيتي آلاف الناس ومنهم نساء كثر ومن لم تمد يدها لتصافحني لا أصافحها , ولكن من يفعل ذلك فلا أجد حرجا شرعيا في مصافحته، وأعتقد أن هذا مشمول بقوله تعالى: “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها” (رغم أن البعض يتحفظون على هذا) ومرة قابلت فتاتين من الفرنجة، وأحسست أنهما باب مفسدة فامتنعت عن مصافحتهما درءاً لمفسدة لم أردها لنفسي فغضبتا جدا، مع أني تصرفت بلباقة معهما، ولم أهتم لما فعلتاه فنفسي أولى.
ولكني أعتقد أن الحكم العام هو الإباحة ولا نريد أن نكبر الأمور ولا نصغرها بل نعطيها حجمها بلا زيادة ولا نقصان، فالأدلة الشرعية إما ظنية أو قطعية .. ومعناها إما ظني أو قطعي و هذا لا خلاف فيه .. الآن هناك أمور لم يأت فيها دليل قطعي ، أما ما جاء في الحديث عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له” , فتفسير المس ب (المس الغليظ ) من الآية الكريمة (من قبل أن يتماسا) .. فيخرج عن الاستدلال.
وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت:” والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قط إلا بما أمره الله تعالى، وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن البيعة: “قد بايعتكن كلاما”. ولكن هناك حديث أم عطية الذي يقول : فمد يده ومددنا أيدينا ! وهو حديث صحيح أيضا.
فهل هذا أمر خاص به عليه الصلاة والسلام أم حكم قطعي لكل الأمة؟

وربما يحل الإشكال : ما ورد في الصحيح أن الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي عليه الصلاة والسلام فتنطلق به حيث شاءت , بعضهم قال: كانت صغيرة، ولا يوجد دليل على ذلك , فالحديث يقول : أن الأمة من إماء المدينة (مطلقا) وأفهم الأمر كما يلي للتوضيح:
أنت أكبر عالم بالبلد .. خرجت من المسجد .. أتت إمرأة مكسورة الخاطر وهجمت عليك وصارت تتدخل وتقول: (بحق الله ساعدني بكذا أو تعال معي لتحل لي المشكلة الفلانية) ، بالله عليك ماذا تفعل ؟ ألا تهدئها وتنظر في أمرها وتتعامل معها برفق حتى لو أمسكت يدك, أم أن الأمر مرتبط بمنعكسات شرطية زرعها الضعف الفقهي في أذهانن فلم نفكر إلا بأنها إمرأة تحرك في النفس عوامل ضعفها؟ ماذا ستتصرف أيها الإمام في هذا الموقف؟
لا أظنك إلا ستفعل كما فعل عليه الصلاة والسلام : تمشي معها في حل مشكلتها وتواسيها .
الأمور الشرعية اختل توازنها فاستغرق البعض مئات السنين في فقه طهارة لا يسمن ولا يغني من جوع أمام نجاسة حكام ما تركوا فضيلة إلا طمسوها ، صار الشاب أو المسلم ينفق سنوات من عمره في فهم قضيتين : حكم المصافحة وحكم الموسيقا .. شيء أقرب للجنون منه للمنطق السليم ، تصور ألف عام من عمر الأمة ضاع .. ضاع حقيقة .

التدين فطرة في النهاية ومنطق وتوازن , وكل ذلك لا يفلح من دون تقوى داخلية ، والأحكام الشرعية أبسط مما عقده البعض . وأكرر نصيحتي بالاستفادة من كتاب : تحرير المرأة في عصر الرسالة .. لعبد الحليم أبو شقة، وخصوصا موضوع المصافحة وأي موضوع يتعلق بالاختلاط، والكتاب موثق جدا بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة بل ليس فيه إلا شرح واع لهما.
ولنتذكر دائماً أن الثورة ليست على الحكام فقط بل على كل شيء أخرج الحياة من مسارها الطبيعي وعقّد المجتمعات وسخّر الدين بطريقة سلبية ليضخم بعض الامور ويسهل بعضها حسب المقتضيات السياسية .
في إحدى دول النفط والمال قدمت أميرة بريطانية فاصطف الأمراء يهدونها أنفس المجوهرات، وثار غضب بعض الشيوخ لأن الأمراء صافحوها، فقال الغزالي رحمه الله: رأيتم كيف صافحوها وهم في مكان عام ودون خلوة، ولم تروا أموال الأمة المنهوبة!
هذا حال بعض الفقه اليوم! تماما مثل رجل يلبس ربطة عنق بألف ليرة، وهو يمشي بلا بنطال (المثال مأخوذ من الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، وبالمناسبة فقد حدثني أنه متطابق جدا في الأفكار مع الشيخ الغزالي ونادراً ما يخالفه).

أعود وأذكر: بأن هذا ما أعتقد أنه الصواب، وإذا وجد أي أحد شيئاً في الكلام يفسد قلبك فليرمه قولاً واحداً وليتمسك بما يحفظ عليه استقامته ودينه

==========================================

ثم على سؤال : هل يجوز اغتصاب نساء الضباط (من أعوان و زبانية النظام) من مختلف الطوائف ؟ وما معنى السبي بالضبط ؟
أجاب الشيخ قائلا: هل يجوز اغتصاب نساء الأعداء؟ قولاً واحداً: لا , ولا أعرف في تاريخ المسلمين الصالحين كله جوازا لمثل ذلك, فهو زنا محض وجريمة شرعية و أخلاقية ويعاقب صاحبه ..
أما موضوع السبايا فهو أمر آخر, وهو مرحلة تاريخية برأيي ولم يعد له مكان اليوم. وفي كل الحالات فلا ينطبق عليه الآن شيء مما في الأحكام الشرعية وبعض الجماعات التكفيرية فعلته (في الجزائر مثلا) وهي مدانة فيه وليس لعملهم وجه شرعي ولا أخلاقي, وكان بعضهم يختطفون الفتيات ويعتدون عليهن ثم يقتلونهن, ومصادري قادة مسلمون صالحون حدثوني مباشرة بالأمر، لسنا وحوشاً ولسنا مثل بعض جنود النظام، وحاشا لثائر مؤمن أن يبذل دمه كي لا تغتصب حقوق أمة ثم يتصرف بدناءة فيغتصب النساء.
==========================================

أما عن سؤال احدى الاخوات : حول أن البعض يريد ألا تخرج المرأة بحال الخشية من وقوع اعتداء جنسي عليها !
وفي حال وقع على واحدة منا الاغتصاب فما هي نظرة الاسلام الى هذه المراة ؟ ألا يعتبر هذا الامر جهاداً تثاب عليه ..؟
فقد أجابها الشيخ : الموضوع دقيق جداً إن الخشية على الأعراض أمر أساسي، ولكن ينظر إلى الأمر حسب إمكانية وقوعه أو غلبة الظن بوقوعه، وإذا كنا سنجتنب كل عمل من باب الخشية من وقوع بعض الأمور فلن نتحرك أبداً.
أخبرني أحد الإخوة الثقات الذين اعتقلوا في سجن (….) في محافظة (….) أنه مكث حوالي الشهر هناك، ولم يدخل ذلك السجن رجل من السادسة عشرة إلى الأربعين عاماً ولم يغتصب!! ولما تمنع وقاوم كان عقابه آلاف الضربات المتوحشة والتعذيب الرهيب.
مقاومة هذه الأمور ليست بالهروب من كل عمل بل بالثبات إن حصلت لاسمح الله، ونجتنب ماهو باب وقوع فيها قدر الإمكان، ومن يقع عليه شيء منها فهو مأجور بإذن الله، بل هو السابقين في الأجر بإذن الله، وما أصابه فإنما هو نوع من أنواع الابتلاء الذي يمر به العاملون، واغتصاب أرواحنا وكرامتنا وحريتنا ليس أقل فداحة من ذلك … فلنمض في طريقنا دون وهن وضعف.
كثيراً ما تكون هذه الأمور لبناء منعكس شرطي في نفوس الناس، فالعمل فيه مخاطرة، والمخاطرة فيها احتمال اعتقال أو سجن أو اغتصاب أو إعدام .. إذا فلنوقف كل عمل .. شعب سورية كسر هذه المعادلة عموماً ، ولكن يبقى لها مفاعيل تاريخيه !
يعني بعد مئات السنين سيأتي من يقول: الذين تحركوا يوماً من أجل كرامتهم تعرضوا للقتل والاعتداء .. وخير لكم أن لا تخوضوا هذا الطريق بالمرة!! لذا يتحدث بعض الثوار عن ضرورة تحويل هذا المنعكس الشرطي إلى الطرف الآخر ..
كيف؟ بإصدار فتوى: أن كل من ثبت أنه اغتصب أو اختطف أو عذب في السجون وغيرها إحدى الأخوات فعقابه هو الإعدام دون خلاف بعد محاكمة عادلة، ومن باب المصلحة المرسلة، وحتى آخر يوم في حياته!! كي لايجرؤ أحد ولو بعد مئات السنين على مس أخت من أخواتنا … ليس الأمر بالطبع قراراً فردياً بل يجب أن يصدر عن علماء الأمة وأدعوهم إلى تحرير هذه المسألة والبت فيها.

أعود وأذكر: بأن هذا ما أعتقد أنه الصواب، وإذا وجد أي أحد شيئاً في الكلام يفسد قلبك فليرمه قولاً واحداً وليتمسك بما يحفظ عليه استقامته ودينه

أسأل الله أن يحفظكم جميعا ويجعلكم مفاتيح لكل خير مغاليق لكل شر ..
اللهم إن يكن من خير فمنك وحدك وإن يكن غير ذلك فمن شر نفسي أستغفرك لما أعلم ولما لاأعلم .
أحبكم جميعاً ياشباب وصبايا هذه الأمة الذين بهم تحيا، وبهم تمضي تصنع نصرها وكرامتها.
أستودعكم في يدي من لا تضيع عنده الودائع … وسلام الله ورحمته عليكم جميعاً في كل وقت وحين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..

أحمد معاذ الخطيب الحسني

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف المناهج. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.