لقاء صحيفة ليفانت بالشيخ أحمد معاذ الخطيب

يعتقد أحمد معاذ الخطيب الحسني، الدمشقي الخمسيني في حواره الخاص مع “ليفانت” أن العمل الاجتماعي أعمق أثراً وأكثر نفعاً فانغمس به، وأن الشباب الثوري أثبتوا فعالية عالية ولكن لم يأخذوا حقهم.
أما مؤسسات المعارضة “بحسب الخطيب” ضمن حراكها الحالي هي غارقة في الشللية والحزبية وحب الذات وليس لديها قابلية للإصلاح.
وأشار الخطيب أنه من الأفضل لمستقبل البلاد أن يبتعد عن طريق السوريين أغلب قيادات النظام والمعارضة معاً!

الخطيب الذي اعتقله الأمن السوري عدة مرات في عامي 2011و2012 على خلفية دعمه للحراك الشعبي المطالب بإسقاط نظام بشار الأسد ثم تمكن من الهرب من البلاد وانتخب رئيساً للائتلاف الوطني المعارض أواخر العام 2012، ورفع بعيد أسابيع من ذلك معنويات السوريين إلى السماء حين شاهدوه يتبوأ مقعد بلادهم في قمة جامعة الدول العربية، ويخطب أمام قادتها متحدثاً عن مستقبل سوريا الحرة الكريمة بأطيافها ومكوناتها، بعيداً عن سائر مظاهر الظلم والاستعباد والتفرقة؛ لا يزال مثار جدل ونقاش كلما تناول المتابعون تجربته القيادية واستقالته المبكرة.
فقد طرح مبادرة للحوار مع النظام في شباط فبراير 2013 فرفضها الأخير فيما اعتبرها الائتلاف مبادرة فردية، كما دعا الخطيب المجتمع الدولي لتسليح الجيش الحر. قبل أن يعلن استقالته في 24 آذار مارس 2013، كاشفاً أن التدخلات والضغوط الإقليمية والدولية من أبرز أسبابها.

وفي يلي النص الكامل للحوار:

لم تنتم في حياتك إلى أي حزب أو تيار سياسي، هل لأنك تفضل العمل الدعوي، وترفض الأطر والمؤسسات في العمل السياسي؟
أعتقد أن العمل الاجتماعي أعمق أثراً وأكثر نفعاً على المدى البعيد، وهو بمنجاة من الاستثمار السياسي وتصعب محاصرته، لذا انغمستُ فيه، إضافة إلى أن العمل السياسي برأيي في بلادنا غالباً مشوب بتعصب قاتل ورؤية يجعله عائقاً للنهضة لا مفتاح تفعيل ووعي.

تجاهر بأنك تفضل ما تسميه “التدين الدمشقي المنفتح”، ألا ترى أن تكرار طرح المسألة الدينية في سوريا -وإن بشكلها - النموذجي - يعزز الاعتقاد بادعاء النظام السوري أن ثمة إشكالية طائفية في مسار الثورة؟
هناك تدين حزبي لا أرى أنه أفادنا بشيء، وهناك تدين اجتماعي وهو ما أقصده، والسلطة تعرف تماماً ذلك لذا حمّلت الأول على الثاني الاجتماعي لتضرب الأول وتضعف الثاني، والإشكالية الطائفية زرع مقدماتها النظام، ثم وبصراحة حمل رايتها وعزز مبررات وجودها فكر تكفيري غريب أساء إلى إسلامنا وحاول تشويهه بكل الطرق فتلاقى مع النظام في نقاط عديدة.

أين تجدون جبهة النصرة في مشهد الثورة السورية؟
نرفض فكر القاعدة ومشتقاته فقد أساء إلينا فوق الحد، ولا نترك شبابنا ضحايا له، وإذا كان التفاوض مع النظام مطروحاً فالحوار مع أبنائنا أجدى وأولى، وسبق أن طالبت بكافة الطرق من جبهة النصرة فك ارتباطها مع القاعدة بل وحتى تغيير اسمها واعتبار السقف الوطني هو مجال حراكها.

كونكم تمثلون بنظر شريحة واسعة جداً من الشارع السوري، التيار المعتدل الديني، وتحظون بتقدير واحترام أطياف واسعة عند العلمانيين والإسلاميين على حد سواء، لماذا لا يبادر أمثالكم بالتواصل وتكثيف اللقاءات مع المجتمعات الغربية لإعادة الثقة لحقيقة الإسلام بوجهه الشامي المعتدل، الذي عملت التنظيمات الإرهابية على تشويهه؟
أقوم بهذا الأمر ضمن مسار محدود، وهو يقتضي وقتاً طويلاً لا يتوفر لي، وأزعم أن هذا الأمر حاضر دائماً في أية لقاءات حتى السياسية منها، ووحدها الأفكار التي نطرحها تؤسس لذلك ورغم هذا فالمطلوب أكثر لأن حجم التشوه أكبر مما نتصور.

أُخذ عليكم أحياناً اتخاذكم آراء وقرارات ومن ثم الرجوع عنها، هل بسبب ضغوطات أم تبدل الظروف؟
اتخاذ القرار يأتي من الظروف والمعطيات والقناعات، وأحياناً تتغير تلك النقاط، وعندها فيجب التحرك المرن تجاه ما هو أفضل، وأعتقد أن التحول نحو الأحسن من علامات الحياة والتفاعل الإيجابي، وأن الجمود من دون سبب هو موت محقق.

ما مدى رضاك عن هيكل ومؤسسات المعارضة، وأين حاولت أن تصلح؟ وأين نجحت وأين عجزت؟
أرى أنها بمعظمها غارقة في الشللية والحزبية وحب الذات، واعتراها ضيق أفق لا يصدق، ومحاولتي معهم لم تنجح وكانت نهايتها استقالتي بعد إنذارات عديدة، وبصراحة لا أعتقد أن لديهم قابلية للإصلاح ضمن حراكهم الحالي، وهذا رأيي وآمل أن يفكروا به.

أين شباب الثورة اليوم؟ من استبعدهم ولماذا لا نرى الشباب السوري في هياكل المعارضة بل نرى ذات الأوجه في كل تشكيل جديد؟
الشباب موجودون وبقوة وأثبتوا فعالية عالية ولكن لم يأخذوا حقهم في المواقع المتقدمة ولأسباب عديدة وهنالك أحياناً إقصاء من بعض الأطراف، وهيمنة حزبية أحياناً لا يتسع صدر (الكوتا) فيها للمزيد من الشباب.

الائتلاف وممثليه اليوم، وبعد هذه السنوات الطويلة والتضحيات العظيمة، إلى أي حد ترى أنه يمثل مؤسسة سورية ترتقي لأمال الشعب ومثالاً يحتذى به من كوادر مهنية بعيدة عن المحسوبيات والمصالح، وقدوة لمؤسسات سوريا المستقبل؟
قد لا تعجبك صراحتي، ولكني أعتقد أن من الأفضل لمستقبل سورية أن يبتعد عن طريق السوريين أغلب قيادات النظام والمعارضة، فلا يمثل أحد منهما قدوة لمؤسسات سورية المستقبل بل ندبة عميقة تحتاج إلى سنوات لفك عقدها.

استقالتكم المبكرة من رئاسة الائتلاف هل سببها الرئيسي الضغوطات الدولية والإقليمية على أطياف المعارضة، أم المعارضة ذاتها؟
التدخلات الإقليمية والدولية في الجانبين السياسي والعسكري وتعامل العديدين بنوع من الاستسلام لها، إضافة إلى أن العقليات الخاصة هي من أهم أسباب استقالتي من الائتلاف الذي قضيت فيه سبعة أشهر إلا يوماً.

هل تؤيد الرأي القائل بتأجيل كشف التجاوزات وبواطن التقصير في المعارضة لما بعد الانتهاء من إسقاط النظام؟
الفردية المحدودة نعم تؤجل كشوف تجاوزاتها أما الجوهرية والعميقة فيجب الإعلان عنها وتصحيحها وإلا فسنبقى ندور ضمن حلقات مغلقة ونكرر أخطاءنا بلا انتهاء.

الدور التركي والقطري والسعودي كيف كان تأثيره على مسار الثورة وبوصلتها؟
اختلاف رؤى الدول الداعمة أدى إلى إشكالات عديدة وما زالت مؤثرة حتى الآن، كما أن هناك ضغوطاً من الدول الأكبر تخرب أيضاً أية جهود إقليمية أحياناً، وصار واضحاً أنه لا حل إلا بنفس وطني يحرص على استقلال القرار السياسي السوري، ويوقف قتل خيرة أهلنا وشبابنا وجريان المزيد من أنهار الدماء.

ما رأيكم بشخصية الدكتور رياض حجاب وقيادته هيئة المفاوضات وأدائه حتى الآن؟
إن سألت عنه كشخص فهو أخ فاضل وشخصية محترمة، أما قيادة المفاوضات ففاتت فرص عديدة كان يمكن استثمارها ولكن لم تتم الاستجابة لها، وعلى كل فقادمات الأيام ستوضح الأمور بشكل أدق.

ما تقييمكم لجولات المحادثات الدائرة في جنيف وما هو أفقها المتوقع؟
بقي النظام على صلفه، وتصرفت المعارضة بفوضوية وهكذا لم يتم إنجاز شيء سوى مناوشات لفظية، وبحدود علمي أن الكثيرين كانوا يتوقعون نوعاً من الطرح المباشر لمواضيع أساسية وأن يكون هناك قضية وطنية تنم عن وعي بأن بلدنا يتجه إلى الفناء وأننا يجب أن نجد حلاً لمنع ذلك، ولكن لا النظام استيقظ حسه لهذا والمعارضة تحركت من خلال إطارات ضيقة ساهمت في رسم بعضها أنامل الأصدقاء!

هل توافق على وجود دور لـ “بشار الأسد” في المفاوضات أو في المرحلة الانتقالية؟
أوافق على أية صيغة محددة التاريخ والإجراءات تضمن في نهايتها رحيله ولا تهمني التسميات والمماحكات اللفظية التي استهلكتنا دون نتيجة عملية.

كيف ترى روسيا بالمشهد السوري؟ ولماذا برأيك رشحتكم موسكو في أكثر من مناسبة للعب دور أساسي في المعارضة ؟
روسية احتلت سورية برضا وموافقة دولية ونرفض هذا الاحتلال، وبذلنا جهوداً كبيرة لتحويل بعض المسارات ولكن وبكل صراحة تعنت المعارضة سبب اقتراب الروس من النظام أكثر وهناك فرص خسرناها بسبب عدم إدراك خريطة قوى المنطقة، أما ترشيحي لدور ما فلم يحصل وما جرى هو ورود الاسم في قائمة قديمة ضمت أغلب القوى كاقتراح روسي لوفد لم ير النور.

وبعيداً عن جنيف ما هي توقعاتك للمشهد السوري في الأسابيع والأشهر القادمة؟
أخشى من زيادة التعقيدات والانجرار إلى معارك وصدامات أوسع، وعندي قناعة بأن السلطة مثل المخدرات لا يزال متعاطيها يدمنها حتى تدمره.

شيخ معاذ ختاماً، هل ترجح أن نراك مستقبلاً ضمن العمل السياسي أم العمل الديني الدعوي أم العمل المهني. وهل تفضل أكثر الشيخ معاذ أم المهندس معاذ؟
المجال الذي يكون فيه إنقاذ لشعبنا وفائدة لأهلنا يكون هو المجال الأفضل ، ولا يهُم اللقب بل أن يكون الطريق مفتوحاً لعمل مثمر وبناء.

لانا اللبابيدي مكتب باريس.

رابط اللقاء: http://levantmagazine.net

 

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف الثورة السورية, صوتيات ومرئيات, مقابلات إعلامية, منائر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.