غفرانك اللهم فالحسين لا يشرب الدماء - 2007-01-03

كبرت بين يدي والد عالم واسع الأفق جرئ في قولة الحق ، قضى على منبر الأموي أكثر من أربعين عاماً مالوث عمامته بنفاق لأحد! وعندما قامت فتنة الثمانينات رفض الوالد أن يكون هناك صف إسلامي يحمل السلاح في الأمة ، وانتقد هذا الأمر على المنابر ، وفي نفس الوقت [وبعد ضغط شديد من وزير الأوقاف وقتها ، وجهات أخرى] شارك في احتفال المولد النبوي الذي حضره الرئيس الراحل حافظ الأسد! وقد سمعت سيدي الوالد مرات في بعض مجالسه الخاصة يسأل الله البطانة الصالحة له ، ولكن في ذكرى المولد كان له موقف آخر تماماً فرفض الدعاء لأحد [وحافظ الأسد في مواجهته] وحتى لفظ [الراعي والرعية] ضن به في الدعاء ، محافظاً على ما ارتضاه لنفسه من خط طيلة حياته بأن لا يضع عمامته سلماً لأحد ، ولا يستجيب لترغيب أو ترهيب [مهما كان الثمن] ، وقال وزير الأوقاف [متنصلاً من جناية! عدم الدعاء وقد أصبح وجهه بلون التوت]: يظهر يا شيخ أبو الفرج أنك نسيت أن تدعو للسيد الرئيس! ، فقال الرئيس الذكي الذي فهم الرسالة: اترك الشيخ أبو الفرج! وبعدها لم يضغط عليه أحد في أمثال تلك المواقف ..

مضى سيدي الوالد إلى لقاء ربه وقد خط في الشام درباً صعباً كثير محبوه ، قليل سالكوه ، ويكاد يكون الشيخ رحمه الله أحد القلائل الذين أجمعت كل التيارات الإسلامية في الشام على تقديرهم واحترامهم، وبقي المنهج الذي زرعه [والذي سيأتيك شرحه] ذا بصمة عميقة في أعماق الروح [وسل بقية الصالحين في أرض الشام عن ذلك].

في أثناء حرب الخليج التي هاجم فيها العراق جارته الكويت كان للعبد الفقير كاتب هذه السطور [ومن وحي ذلك المنهج] موقف صارم ورافض تماماً لما فعله صدام حسين ، عكس أغلب التيارات الإسلامية التي ظنت أن في هجوم صدام فتحاً مبيناً . بينما اعتقدتُ أن تلك لعبة أميركية ورطت صدام من أجل قدوم القوات الأميركية إلى المنطقة ، وقد فضحتُ ذلك [وذلك أقصى ماكنت أستطيع] بخطبة كاملة على منبر الأموي!

وعندما سقطت بغداد على يد الجيوش الهمجية ، كان هناك من يظن أن صداماً بطل من أبطال الإسلام الكبار الفاتحين الذين يتصدون للغارات على الأمة! ولم يعلموا أن كل النتائج المخيفة إنما سببها تلك المقدمات الاستبدادية التي زرعها صدام وأمثاله في الأمة ، وقد حضرت مناسبة قام فيها أحد العلماء من المدافعين عن الحكام ليل نهار والذين يبيحون نحر الشباب المسلم! فزعم أن صدام صار لا يُدخل في حزب البعث إلا من يحفظ بضعة أجزاء من القرآن الكريم ويقرأ كتاباً في الفقه! والتي [إن صحت القصة] لا أعتقد فيها إلا أنها لعبة فرعونية قديمة أرجو أن تستفيق الأمة المسلمة منها ، فلا يضحك عليها فرعون صغير يستعبدها ويذلها في دينها وعقيدتها بل إنسانيتها وكرامتها فإذا كاد الغرق يدركه قال : آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل! فبعدما أحرق البعثيون الأخضر واليابس من المحيط إلى المحيط وعندما أفلسوا استيقظ الإسلام في نفوسهم فجأة! ليس ولاء وبراء صافياً للإسلام بل نمطاً هجيناً يريد أن يجد له منفذاً ليتسلق على أكتاف هذا الدين الذي أنهكه المتسلقون الكثر عليه!.

هناك من يعتقدأنه قد ولد حزب البعث وينقصه أمران حضاريان هامين جداً: البعد الأخلاقي والبعد الجمالي ، [و لسبب موضوعي هو الانهماك في النضال السياسي ثم إدارة الدولة…دون التفرغ للأمور الأخرى] ويقول : انظر بعمق إلى آثار البعثيين في الأرض لترى مصداق ذلك الأمر وآثاره !!

لم أحب يوماً صدام ولا أمثاله وأدعو الله كل يوم أن يخلص الأمة من كل طاغوت تسلط عليها ، وقد ارتجفت يوماً ثم انتقدت على المنابر كلمة لأحد كبار الدعاة شارك في مؤتمر للعلماء عقده البعثيون في العراق ، ولم يجد تعقيباً على كلمة صدام حسين إلا أن يقول: لقد اهتز عرش الرحمن [أستغفر الله ثم أستغفر الله …] لكلمة الرئيس القائد صدام حسين …

آلاف الأسئلة تنهمر علي وعلى غيري ، وتمتلئ بها الصحف والفضائيات ، واستفسارات وحيرة ، بل أمواج تسونامي اعتقادية وفكرية وسياسية تجتاح العالم الإسلامي بعد إعدام صدام حسين ، فما المنهج والمعيار..

صدام ظالم وعملية محاكمته ظالمة وإعدامه بتلك الطريقة الهمجية شيء لم يخطر ببال أحد ، والأمة تزداد تمزقاً وحيرة وضياعاً! فأين الصواب؟
لا يستطيع أحد أن يدعي احتكاراً للحق ، ولا يكاد يوجد طرف إلا له وعليه ، وما ساذكره إنما هو مقدمة لمنهج ربيت عليه ويزداد مع الأيام تبلوراً ووضوحاً! هذا المنهج أزعم أنه بقية منهج أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل السنة والجماعة! وهو ماكان عليه علماء الأمة وفي مقدمتهم أئمة المذاهب الأربعة!

لقد دمر الحكام الظالمون قواعد أهل البيت (أهل السنة والجماعة) ، فافترقت الأمة من دونهم إلى فئتين تزدادان تجذراً وكلاهما مائل عن الصواب!

الفئة الأولى : هي الفئة التي تتبع منهج النواصب الذين بذلوا لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العداء ، واستجابوا لتخريصات الحكام الطغاة ، وسكتوا عن ذبح سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين الشهيد السعيد وأهل بيته الكرام ، وفلسفوا ذلك بطريقة لا يقبلها كريم ولا لئيم فزعموا أن يزيد لم يأمر ولم يرض ، وأسف لما حصل! [نفس منطق أذناب الباطل اليوم ، فكل أمر فيه مصيبة للأمة لا يعلم به الحاكم ، ويحيط به ألف مفت منافق يهرفون وراءه بالإفك المبين] ومازال فقهاء الباطل حتى الآن يندسون في الأمة ومراجعها الشرعية ، فنراهم في الاعتقاد يقررون المذهب الجبري والاستسلام ، وفي السياسة الشرعية يبيحون طاعة كل ظالم ويرونه ولي أمر شرعي ، وفي الفقه يصلون وراء كل منافق ، أما على صهوات المنابر فيتحدث بعضهم عن بعض [أوباش] الحكام السنين الطوال جازمين بصلاحه وتقواه غير متألين على الله كما يزعمون ، ولا يتكلف أحدهم أن يذكر للناس في درس أو خطبة أو مناسبة كيف تلاعب الحكام بالتاريخ فأظهروا آل بيت محمد مجرمين وهم الذين أتت نصوص الكتاب والسنة بفضلهم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الأحزاب (33) ، ولا يذكرون للناس الحديث الصحيح بأن كتاب الله وعترة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يفترقان!

والمنهج الآخر منهج الروافض الذين رأوا ماحل بآل البيت الكرام فادعوا النصرة لذلك ، فحمَّلوا على أئمة أهل البيت كلاماً لم يقولوا به قط ، فادعوا عصمة الأئمة وكفروا ببقية الأمة ، وعادوا بمفعول رجعي إلى الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فوقعوا فيهما ، ثم ماتركوا صحابياً (عدا بضعة نفر) إلا وأوجدوا له نقيصة ومثلبة ، وجيشوا الناس (مستغلين حبهم لآل البيت) بطريقة لا ترضى عنها شريعة ، ولا يقبلها عقل راشد! ونسوا أن أهل السنة اخذوا بمذهب الإمام الحسن رضي الله عنه الذي جاء الحديث بسيادته في الدنيا والآخرة ، وأنه وحد بين الأمة لا رضا بما فعل الحكام بل حقناً لدماء أمة لا إله إلا الله ، وهو من أهل البيت ، بل من ساداتهم بلا منازع ولا مدافع ، وأن الأئمة الأربعة جميعاً اضطهدوا ولم يرضوا بظلم ظالم ، فمات أبو حنيفة النعمان في السجن وعذب الإمام مالك وضرب الإمام أحمد ، وسيق الشافعي بالسلاسل لمحبته أهل البيت الكرام حتى سارت بشعره الركبان:

إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي

واستشهد سعيد بن جبير وأئمة كرام وهم لا يرضون أن يضيع الحق ، وكان الإمام أبو حنيفة أكبر المؤيدين للإمام الجليل القائم بالحق زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم جميعاً ، وهو من أكبر أئمة أهل البيت ولا يمر بالسلسلة الإثنى عشرية التي يظن إخواننا الشيعة عصمة أصحابها فهل مات الإمام زيد على ضلال! [أستغفر الله].

لقد مضى الجميع إلى ربهم ، آل البيت الأطهار وعلى رأسهم الإمام الشهيد السعيد الحسين وعترته ، ومضى ركب يزيد الفاسق الظالم ومضى عمر بن سعد قاتل الحسين وكل رهط المجرمين بحق عترة أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله إلى يوم الدين ، وماذا بعد!

هل سنبقى نتذابح إلى يوم الدين وهل سيبقى النواصب والأرفاض يجرون الأمة إلى المصارع حتى لا تبقى لها باقية ، وهل من المقبول شرعاً والمفهوم عقلاً أن يبقى حزبان سياسيان يتناحران إلى يوم الدين والأمة تمحق تحت أقدامهما.

لقد ظهر الباغي وعرف المظلوم ، وعند الله تجتمع الخصوم … وليس اللعن والشتم هدفاً ولا وسيلة لإحقاق حق ولا رفع باطل!

كانت هناك اختلالات عديدة وقد قام النواصب والأرفاض معاً خلال التاريخ بتعميق الهوة ، وبقي علماء أفاضل يحاولون المقاربة منهم على سبيل المثال لا الحصر العلامة السيد محسن الأمين (الشيعي) والعلامة السيد جمال الدين القاسمي (السني) والذي امتلأت كتبه بحب آل البيت الكرام ونقل مذاهبهم وآرائهم ، وكلا الرجلين من بلاد الشام ، وقد رضعت منهج العلامة القاسمي منذ فتحت عيني في هذه الدنيا! وبعد سقوط الخلافة الإسلامية وهيمنة الدول الأوربية بدأ الإسلام يستيقظ لا بشكله المذهبي الضيق بل ببعده العالمي … ولم يكن من السهل انتزاع البقايا التاريخية من النفوس ، ولكن بدأت بعض التباشير ومنها على سبيل الإسلام نوع من الانفتاح من قبل التيارات الإسلامية السنية والشيعية على بعضها ، فقام نواب الصفوي بزيارة الشام ولقي ترحيباً كاسحاً ، وبدأت الشيعة الحركيون يقرؤون لسيد قطب ثم يقرأ الحركيون السنة كتب علي شريعتي ومطهري .. ومحمد باقر الصدر (والذي أعدمه صدام حسين هو وأخته والمئات ظلماً وعدواناً).

ثم جاءت الثورة الإيرانية فطربت لها قلوب المسلمين في الأرض جميعاً (إلا قلة من الناس) وتوقع الكل أن تكون ثورة للإسلام بمعناه الواسع المتمدن الحضاري العالمي ، ففوجئوا بدستور ضيق يذكر جهاراً نهاراً أنها دولة إسلامية شيعية وفق المذهب الاثنى عشري! (وكأنك تقول: دولة إسلامية سنية على مذهب الأحناف ، وبقي أن تقول على اختيارات أبي يوسف) … وابتلع الدعاة العاقلون السكين ليقولوا: إن إخواننا الشيعة العقلاء بحاجة إلى وقت لإصلاح وتغيير التعصب المذهبي المقيت! فصبراً .. وفوجئ الناس بالكوادر التي صنعت الثورة تُغتال واحداً بعد الآخر ثم تجري تفجيرات جماعية تُجهز على بقية الأدمغة التي غيرت تاريخ إيران! واضطر كثيرون للعزلة كأول رئيس وزراء لإيران المسلمة (مهدي بازركان) أو الهرب كأبي الحسن بني صدر (أول رئيس جمهورية لإيران المسلمة) ، وبينما كانت إيران تلملم جراح التفجيرات والاغتيالات قام صدام بمغامرته الرعناء بالهجوم عليها فاستنزفها وأنهكها وولد فيها من كوامن التاريخ شيئاً مرعباً ، كان ينبغي أن يوأد حتى يوم الحساب!

في مقابل القومية العربية البعثية استيقظت القومية الفارسية ، وفي مقابل مايظهر أنه مذهب أهل السنة استيقظ ما يظهر أنه مذهب الشيعة وأتباع آل البيت الكرام.

كان الخميني عندما تسأله الصحافة عن الخليج أهو عربي أم فارسي يقول أنه إسلامي! والذي يظهر لي أن الولايات المتحدة ترصد منذ القديم احتمال تحول الإسلام إلى قوة حضارية فعالة فعملت على تطهير الحركات الإسلامية السنية والشيعية من عقلائها (كي لا يحصل تقارب بحال) ومهدت لذلك بأمور لا يتسع لها المجال ، إلى أن أصبح في الساحة تياران يقودان الأمة كلها إلى الفناء والخراب!

ما أريد قوله أن صدام حسين ظالم ولا يجوز أن يصبح من أبطال الإسلام وحملة راية أهل السنة (وهو أمر منفصل تماماً عما يكون قد لقي الله تعالى به ، وفي عقيدة أهل السنة والجماعة فنحن لا نحكم لأحد بجنة أو نار إلا من شهد له الله أو رسوله بذلك) وإقامة القصاص عليه في الدنيا لما اقترفت يداه حق شرعي ينبغي أن لا يضيع ، وسيلقى الله تعالى في الآخرة بما اقترفت يداه وبالدماء التي سفكت بأمره وتحت سمعه وبصره ورضاه ، ولن ننسى أبداً أن زوال الدنيا عند الله أهون من قتل رجل مسلم!

لقد أدى التعصب القومي والتجيير البعثي للأمور إلى أن يغض (من هم محسوبون على أهل السنة) النظر عن جرائم النظام البعثي ، وليس أقلها حلبجة التي يذكر الأستاذ الراشد أن الدعاة السنة لم يهتموا بها ، وبأهلها السنة ؛ لأن مفعول الفكر البعثي القومي شرخ الأمة عن الدين فلم يفكر أحد بهم ، فقد كان عيبهم أنهم أكراد [سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم] ، كما تغافل السنة العرب عما أصابهم من ضغط شديد ، ومجلس الشورى لتنظيم الإخوان المسلمين العراقيين لم ينعقد لمدة ثلاثين عاماً متواصلة!! بسبب الضغط الأمني الهائل.

إذا أردنا المقياس النسبي ، ومن باب (ولا تبخسوا الناس أشيائهم) فسنقول أن صدام حسين له إيجابيات فقد بنى جيشاً جباراً ، وأرعب اليهود ، ونظاماً تعليمياً ممتازاً ، ودولة قادرة قوية ، وعاش الناس في أول عهده في رخاء مادي شديد ، كما أنه قد حارب الفساد والرشوة .. وكان في زمرته ووزراءه عرب وأكراد وسنة وشيعة … لكن عيبه الكبير أنه كان فرعوناً … نعم فرعوناً … وهنا هو المفصل مع كل من يحب صدام .. فقد كان ذلك الفرعون عميلاً بكل معنى الكلمة للولايات المتحدة فشن الحرب الظالمة ضد إيران بإيعاز وتشجيع منها ، ثم خرج جنون عظمته على الكويت ففعل بأهلها الأفاعيل (بعد إعلام السفير الأميركي ، ومباركة الإدارة الأميركية) والتي كانت تعد له فخاً مكسبها الأول فيه المبرر لدخول القوات الأميركية إلى المنطقة! والمكسب الثاني نوع من التأديب لعميل كبر أنفه وصار يظن أنه مساوٍ لأسياده … بل منافسهم …

استيقظ شعوره بالخطر فبدأ يحاول ترتيب أموره ولكن الوقت قد فات ، ومقدمات الظلم لابد أن تتحقق ، والولايات المتحدة ، وبتحريض شديد من إسرائيل كانت ولا تزال تحث على تفتيت العراق (ودول المنطقة) ، ليس كراهية خاصة لصدام حسين بمقدار ماهو الخوف من طاقات بلد عربي مسلم لا يدري أحد متى ينبعث فيه نظام صالح وقوي قادر على تقويض كل مشاريعها في المنطقة.

كل ذلك في كفة وعلينا أن ننظر إلى الكفة الأخرى! هل الانتقام والثأر والتشفي غاية وهدف في الحياة! إن القصاص العادل يكفي لراحة النفوس التي أصابها البغي والعدوان ، ولكن ماجرى في أرض العراق الحزين أظهر أن تحت الرماد أموراً مخيفة!

استمعت بألم إلى الكاتبة الدكتورة سميرة رجب (وهي شيعية بحرينية) وهي تقول على قناة الحوار اللندنية بأن الدولة لا تقوم على ثقافة الثأر والانتقام … الثأر من العرب بل من الإسلام نفسه انتقاماً للنزعة الفارسية! وقالت الدكتورة أن عبد العزيز الحكيم [رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق!!! الله أكبر] قد صرح بأن اليوم الذي نحر فيه صدام هو عيد السنة لا عيد الشيعة!! [عرفنا الآن معنى الفكر الرافضي] .. ولكن الأمور لم تتوقف هنا! فالقصاص العادل لا يحصل على يد قضاة من الأولاد ، وبشكل لم تشهد تواريخ المحاكمات أقمأ ولا أخس منه إلا في محاكمات محاكم التفتيش في القرون الوسطى ، وبطريقة في غاية الإرهاب! والإهانة والتحقير! وأية محاكمة تلك تحت سلطات احتلال وحكومة عميلة .. وأيدي جلادين أظهروا أنفسهم عصابة من قطاع الطرق الذين يمتصون دماء ضحاياهم في أقبية تشبه القبور!

إن ذبح الخراف له آداب وأخلاقيات تعبر عن منهج الرحمة الذي يحمله الإسلام ، وإعدام رؤساء الدول لا يجري بتلك الطريقة المهينة [مهما كانت الدوافع والسباب] ، وقد اخترع عملاء الاحتلال كذبة طريفة تزعم أن القوات الأميركية كانت تريد تهريب صدام فاضطروا إلى إعدامه ، أما الإدارة الأميركية فاخترعت كذبة أخرى وهي أنها حاولت تأخير حكم الإعدام ولكن الحكومة العراقية [الأبية والشهمة والوطنية والنظيفة والمستقلة] أصرت على الإعدام…ترى على من يكذبون…..

لقد ارتكب صدام أموراً كثيرة بحق السنة والشيعة والعرب والأكراد .. فلماذا كان ذبحه وإعدامه في يوم عيد الناس وبطريقة طائفية مقيته…. لا تفهم منها إلا همهمات ليس في نفوس اصحابها إلا شرب الدماء …

إن الفكر الشيعي كله على الميزان ويخشى أن تهيمن عليه أفكار في غاية التطرف ، أفكار دموية ثأرية ، وإدعاء التمسح بحب أهل البيت لا يجدي ، وسيكسب أصحاب الثأر والانتقام مرحلياً ولكنهم سيخسرون في النهاية.

إن منهج آل البيت الكرام هو الوقوف في وجه الظلم (أي ظلم كان) وبمعنى أنهم لا يمكن لهم أن يرفضوا ظلم طاغوت هنا ويقبلوا به هناك!

رأيت عبد العزيز الحكيم يجلس ذليلاً صاغراً بين يدي سيده وولي نعمته بوش ، ويقرأ رسالة باللغة العربية ، يطلب فيها بقاء القوات الأميركية في العراق … وتعجبت عندما توجه السيد حسن نصر الله (والذي ماتزال له في قلوبنا بقية احترام) بكلام مثل النار إلى فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبناني ، لأنه قابل توني بلير (والذي تسميه بعض الصحف البريطانية ولست أنا : بالجرو الصغير لبوش ، بل إنه رُسم عدة مرات جرواً صغيراً يجره بوش) ولكن السيد حسن نصر الله لم يتوجه بكلمة نقد مباشر إلى عبد العزيز الحكيم … فلماذا؟ هل منهج أهل البيت عشوائي ، وهل الظلم انتقائي ، إن كان صدام مجرماً ، وفؤاد السنيورة واجهة لألف عميل ، فبوش نفسه لا توجد كلمة في قاموس اللغة تصف فيها حقده وبغضه ومكره وحربه لأمة لا إله إلا الله!

وعندما قامت دولة الصهاينة بهجومها العدواني على لبنان وتصدت له المقاومة الإسلامية التي يقودها حزب الله كانت أكفنا مرفوعة بالدعاء للمجاهدين وكتبنا في وجوب نصرتهم ودعونا الناس إلى مؤازرتهم بالمال والدم ، حتى أن بعض [عتاة] أهل السنة الذين لا يطيقون سماع اسم الشيعة قد عرضوا أن يذهبوا للموت تحت راية حزب الله والقتال مع إخواننا الشيعة لأنهم يقومون بفرض لم يستطع كل حكام العرب الأشاوس القيام به! لقد كانوا يدافعون عن الوجود ، وليس فقط عن الحدود! وراية الشهادة ستضم الجميع في حنان تذوب معه فروق ما أفرزته السياسة وتلاعب به الحكام وغفل عنه التاريخ … سيموت الجميع لتحيا لاإله إلا الله..

ولكن مضت الأشهر فإذا بالسيد حسن نصر الله يتكلم بطريقة لم تعرف عنه ، وهو أجل في نفوسنا من أن يكون فكره وصائياً بحيث يريد أن يفرض على أهل السنة مرجعياتهم … وفي الحقيقة فقد زج حزب الله غالب أهل السنة في لبنان للتخندق مع جهات ماكرة لا نرتضيها بسبب طريقته [الضيقة] في التعامل مع الأمور والتي أدت إلى فقدانه رصيده بين كثيرين من الناس ، والقلائل من أهل السنة [الذين تحالفوا مع حزب الله] كالداعية الكبير فتحي يكن فقد أغلب رصيده في العالم الإسلامي بسبب دخوله في لعبة غير واضحة !

منهج أهل البيت منهج وقوف في وجه كل ظلم ، وحاشا لهم أن يحابوا أحداً ، فكيف ينتسب عبد العزيز الحكيم وأمثاله إلى مدرسة أهل البيت ، ولقد اعتذر [الورع التقي النقي] عن مصافحة كونداليزا رايس ، ورائحة عباءته تفوح بالدم العبيط الذي أخشى أن يكون قد أدمن على الطازج منه كل صباح ومساء ، وهو لم يكتف بشرب دم صدام وغير صدام بل انتقد حتى مجالس العزاء التي أقيمت لصدام في بعض الدول العربية ، أما نوري المالكي وزبانيته فهو يعرف أنه أقل أهمية من أن يتحدث أحد عنه ، مع أن فرق الموت تخرج من مظلة حكومة هو رئيسها ، وأما الزعيم السني طارق الهاشمي فكان عاراً عليه أن يذهب ليلقى بوش وأخشى أن يظن نفسه قد حقق شيئاً من النصر للأمة أو للإسلام أو حتى للحزب العراقي الإسلامي [الواقع بين المطرقة والسندان]. !

سبحان الله أبعد الموت شماتة ، وهل تضيق النفوس إلى هذا الحد! إنني لن أذهب إلى مجلس عزاء لصدام وقد اشتبكت بالكلام مع أخ كريم فاضل في بيتي عزى الحاضرين بصدام … فقلت لا تجعلوه لنا بطلاً … ولكن محبيه أحرار في أن يبكوا عليه وأن يقيموا له العزاء بحكم القرابة أو ما يظنونه من الوطنية أو الاشتراك في المصالح ، أو حتى في اعتباره عندهم شهيداً … وليكن رأينا أنه ليس كذلك أما أن نحمل الرائحة الطائفية والتشفي والانتقام في كل حركة لنا فهذا درب فناء عاجل للجميع ….

لا أستطيع أن أتوجه باللوم إلى أتباع مقتدى (الذين أعماهم حب الانتقام فقد يكون مقتل الإمام الصدر لم يدع لم فسحة في صدورهم- ويبدو أنهم مادة مناورات ستظهر الأيام أبعادها)) ولا إلى عبد العزيز الحكيم الذي زكمت رائحة الدم الذي يشربه الأنوف! ولكنني صدمت حقيقة من تصريحات هاشمي رفسنجاني (رئيس تشخيص مصلحة النظام) فهو رجل دولة بل منظر الدولة الأول ومقرر مصلحتها! فقد قرر الرجل أن العدالة الإلهية قد أخذت مجراها ، فتمنيت أن أسأله السؤال التالي: إن قضية الدجيل التي حكم على صدام بالإعدام فيها قضية ضئيلة أمام تاريخ الرجل! وهي أقرب إلى قضية هامة في مخفر مركزي منها إلى قضية توجه كل الأنظار إليها! فلماذا ياترى لم يبادر رئيس تشخيص مصلحة النظام إلى أن يضغط بكل مايقدر (ووراءه الحكومة الإيرانية كلها … وهي التي توجه المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي يقوده عبد العزيز الحكيم) من أجل أن يحاكم صدام على جرائم أكبر بكثير بكثير..

لماذا لم يطلب أن تفتح ملفات الحرب العراقية الإيرانية (التي هندستها الولايات المتحدة وأشعلت فتيلها) والتي كانت كارثية على المنطقة لقي فيها مليون شاب إيراني مسلم حتوفهم مقابل عدد أقل بقليل من الشباب العراقيين ، ودفعت فيها دول الخليج فاتورة باهظة جداً بلغت أربعمائة وخمسين مليار دولار .. إضافة إلى الخراب الشامل والدمار الاقتصادي والاجتماعي والآثار النفسية ، والآلام والأيتام والثكالى والمعوقين!! فهل كان هذا الأمر تافهاً بنظر الرفسنجاني! وهو رجل الدولة الكبير! أم أن هناك صفقة ما!

وهل صحيح أن الولايات المتحدة تواطأت على إبعاد كل الكوادر الأساسية في الثورة الإسلامية الإيرانية لتستبدلهم بمجموعات قصيرة النظر تلبس مسوح أهل البيت وتحركها طبيعة دموية وفكر وصائي جعلها تظن أنها ولية أمر كافة شؤون المسلمين في الأرض لتذبح منهم ماتشاء وتبقي ماتشاء ، وكل ماحصل في حرب الخليج أنه كان هناك عملاء في الجانب العراقي والإيراني أما أحدهما (وهو صدام) فتمرد بعدما سدت في وجهه الدروب وعوقب وشعبه معه ، وارتضى الآخرون بالسير ولم يكتشف أحد ارتباطهم حتى الآن!!! إنه سؤال مطلوب بإلحاح الجواب عليه ، وليس تقريراً. [يقال أيضاً ، ونرجو أن لايكون صحيحاً أن إيران بدات تتمرد بعدما أدت دورها في المنطقة وأشعلت الفتيل فيها وربما تشن القوات الأميركية هجوماً تأديبياً عليها بعدما خرجت عن الدور الإقليمي المتفق عليه].

وهناك سؤال محير أكثر! وهو كيف تجتمع الولايات المتحدة وإيران معاً على دعم عبد العزيز الحكيم! مهما كان تقاطع المصالح لأنه لايبدو عميلاً مزدوجاً بمقدار مايبدو أنه يحوز رضى الطرفين! وكيف يكون سرور إسرائيل وإيران والنظام الأميركي وبريطانية متوافقاً بشكل عجيب!
منذ كنت صغيراً كان سيدي الوالد رحمه الله ينبهني إلى بعض الكلمات التي اعتاد [الزعران والأوباش] ترديدها في الأعياد وهم يهزون أراجيح العيد للأطفال ، وأخبرني أنها من بقايا الإساءة التي كان يهان فيها أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!

ولقد تعلمت أن مذهب أهل البيت (عليهم السلام ، وهي عبارة طالما استعملها العديد من علماء أهل السنة قبل انفراد الشيعة بها) هو دفع الظلم أياً كان ، وحاشا للإمام علي وابنيه الشهيدين السعيدين (والذين قتل الحسن منهما بالسم والحسين بالسيف) أن يقبلوا بينهم أتباعاً وأذناباً للنظام الأميركي أو لغيره أو استبدال ظالم بظالم ، ولهذا السبب فقد كان هناك رفض تام لما طرحه الأستاذ عبد الحليم خدام (ومهما تكلم عن الخلاص فطرحه مرفوض قبل أن يعلن على رؤوس الأشهاد رده المظالم وبراءته من كل فكر لا يؤمن بيوم الحساب وتوبته إلى الله من كل ماسبق أن تورط فيه من المظالم) وحاشا أن يكون لأهل بيت رسول الله تشف من الناس ، فلقد قال الإمام علي قولته المشهورة عندما سئل عن الخوارج (والذين اغتالوه ونصبوا له الحروب) : أكفار هم؟ فقال: من الكفر فروا! فمن هم إذاً يا أمير المؤمنين؟ فقال: إخواننا بغوا علينا!

لم يكن فكر أهل السنة والجماعة وفكر أهل البيت ولا هدفهم الصدام مع الحكام بل رفع الظلم عن الناس ، وقد سكب أهل البيت دمائهم من أجل ذلك وهناك اليوم من يسفك الدماء بلا حساب يزعم أنه ينصر أهل البيت! وعندما كنت أشعر بالضيق أو الخوف بين أيدي بعض الظالمين كنت أتذكر قولة الإمام الحسين : (إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني) فينقلب حزني فرحاً وخوفي أمناً ، احتقاراً لنفسي من أن تزل عن منهج أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لماذا لا يسأل محبو أهل البيت أنفسهم: لماذا وضع آية الله حسين منتظري (فرج الله عنه) تحت الإقامة الجبرية وأهين ورميت عمامته على الأرض وهو منظر الثورة الإيرانية الأول وباني فكرها! وأين ذهبت فتاوى الإمام السيد محسن الأمين … وأين فكر علي شريعتي الذي ينادي بفكر علوي (ينتسب الى الإمام علي كرم الله وجهه) مقابل فكر صفوي دموي حاقد بنته بريطانية ليكون نصلاً في خاصرة الدولة العثمانية (كما يقول شريعتي) … وأين طروحات رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في لبنان الشيخ مهدي شمس الدين .. الذي ذكر أمام كل الناس (ومن دون تقية ولا مواربة) أن الخلفاء الأربعة راشدون ، ورضي الله عنهم ورضوا عنه!

يضطرني هذا المقال لذكر أمر معروف ولكني لم أتفوه به أمام أحد من قبل ، وهو أنني أتشرف بالانتساب إلى دوحة المصطفى عليه الصلاة والسلام وأنحدر من أب والده حسني وأمه حسينية … وأحمل مذهب أهل السنة والجماعة (لا مذهب النواصب) ولن أدخل في سجال عقدي وفقهي مع إخواننا الشيعة ، واعتقد أن السنة والشيعة يمكن أن يعيشوا بألفة وسلام ، بل فرض عليهم أن يفعلوا ذلك قبل أن يلتهمهم جميعاً لا المشروع الأميركي الهادف إلى الهيمنة والوصاية بل المشروع الاسرائيلي الهادف إلى الطحن والتفتيت … وكل من يدمر مسجداً للسنة أو حسينية للشيعة وكل من يقتل إنساناً مهما كان دينه واعتقاده من أهل العراق فهو جندي لجيش صهيون وفكر التوراة الزاحف إلى الرافدين فالقتل والقتال للمحتلين والمحتلين فقط …[وقد تحدثنا مرات ورفضنا رفضاً قاطعاً كل مايحصل لسنة أو شيعة أو أكراد أو نصارى أوبشر .. فحاشا للإسلام إلا أن يكون قمة الرحمة والإنسانية] فليتدبر السنة والشيعة ماستأتي به الأيام الحبلى بالفتن ، وليبحثوا عن الحق بتجرد وصدق وإخلاص بعيداً عن التعصب الأعمى وفي منجاة عن فكر النواصب أو الروافض … وبعد ذلك سنقول لمن يحب صدام ويراه من أبطال أهل السنة والجماعة: لقد مضى صدام ليلقى الله بما عمل وعند الله لا يضيع شيء .. والظلم ظلمات يوم القيامة وعند الله تجتمع الخصوم ، ولكنني سأقول أيضاً لإخواننا الشيعة: احذروا الانحراف عن منهج أهل البيت الأوائل وتذكروا أمراً مهماً جداً ، وهو أن الإمام الحسين لم يكن يشرب الدماء.

كتبه أحمد معاذ الخطيب الحسني

دمشق: 14 ذي الحجة 1427هـ الموافق 3 كانون الثاني 2007م.

 

- نسأل الله تعالى لكافة إخواننا وأخواتنا عيداً مباركاً وفرجاً قريباً وتقبل الله طاعتهم وصالح أعمالهم .. وغفر لحجاجهم وردهم سالمين غانمين مغفوراً لهم.

- بسبب الظروف الطارئة تم تغيير موضوع المقال الشهري ، وسبب هذا بعض التأخر…

- إذا كان المقال مناسباً برأيكم فآمل إرساله إلى من ترون أنه يجب أن يطلع عليه.

: من المواد الجديدة :

- أسئلة وأجوبة : لأسباب فنية وضعنا قسماً من الأسئلة والأجوبة في صفحة واحدة ، وعند ظهورها بطريقة غير مقروءة ،فيرجى الضغط 1-

uni code بزر الماوس الأيمن ووضع : ترميز وعذراً لتأخر البعض الآخر لوجود إشكالات فنية

نجم الدين أربكان : أمة في رجل : المنائر : أعلام : معاصرون

عدنان مندريس : منائر : أعلام : راحلون

ألوان من الحب : منائر : تذكرة

مواقع إسلامية سورية : الأرشيف

صورة مسجد جامعة دمشق : وصلات أخرى : حديث الصور

وهناك أمور أخرى نرجو أن تتحقق ، وأن نتمكن من الإجابة على باقي الأسئلة

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف كلمة الشهر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.