المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية - 2

الفصل الثاني

أمريكا:الشعب والأرض

 

تمهيـــــــــــد:
أمريكا بلد المتناقضات، بلد الآمال والآلام. بلد فيه كثير من التسهيلات والخيرات، وكثير من الفرص. أنظمته في أغلبها واضحة وصارمة. بلد يقود العالم في تقدمه وصناعته ونفوذه وقوته العسكرية، يهتم بمواطنيه كثيرا عندما “يهدهم خطر أو يقعون في مأزق، وتستنفر أجهزة الإعلام وأجهزة الدولة من أ-لم ! ذلك. وفي داخل ذلك البلد تجد الكثير من التناقضات، فهناك الغنى الفاحش والفقر الشديد، هناك المحافظون، وهناك المتحللون، تجد العباقرة والأذكياء والمنتجين، وتجد الدراويش والمؤمنين بالخرافات والشعوذات، هناك تجد الحرية والاضطهاد، والمتعة والعذاب، والحب والكره، والصراع والتعاون، والإنجاز والإحباط، واللين والقسوة، إنه حقا بلد المتناقضات. ويدرك كثر من الأمريكيين هذه الحقيقة عن بلدهم، ويتحدثون عنها في لقاءاتهم وحواراتهم كجزء من الحرية التي يتمتعون بها، فهذا (ارثر لودتك) يقول ( لودتك، 1981: 3) ): إنه من المألوف أن نعلن أنه مهما يكن للواحد منا أن يأخذ بعين الاعتبار ميزة أمريكية صادقة، فلا بد أن تظهر ميزة أخرى مناقضة لها) .
ففي مقابل الإيجابيات التي تحظى بها أمريكا، هناك كثير من السلبيات، فالعنصرية منتشرة، رغم أنها ممنوعة ومحرمة على المستوى النظري وفي ضوء القانون. وكذلك تنتشر الجريمة بأشكالها المختلفة من قتل، وسرقة، وتزوير، وسطو مسلح، ومخدرات.

ولقد زار الشيخ أبو الحسن الندوي أمريكا، وألقى محاضرة نشرت تحت عنوان (ما وجدته في أمريكا وما لم أجده) قال فيها: القد استطاع الإنسان أن ينفخ روح الحياة في الحديد وفي الجمادات، واستطاع أن يسخر الأجواء الفسيحة بين السماء والأرض، وأن يغوص في أعماق الأرض، وأصبح يستخدم أشعة الشمس في أغراضه، واطلع على أفلاك القمر والكواكب والنجوم، وقد وصل أخيرا إلى القمر، وهبط عليه فعلا، لكن كل ذلك ليس مما يدل على الكمال الإنساني الحقيقي، ليس الكمال أبدأ في أن ينفخ الإنسان في الجمادات روحأ، ويجعلها ناطقة حية، بل الكمال في الواقع أن ينفخ في نفسه الروح، وجعلها حية تنطق، الإنسان خليفة الله في الأرض، ونائبه في الكون، فمنصبه أسمى وأعلى، وأجل من أن يكون عبدا للجمادات، بل هو الجدير بأن يستعبدها لا لنفسه فحسب، بل لله خالقه وربه، فيستخدمها في تحقيق ما يريد الله من هذا الإنسان وهذا الكون) (الندوي، 1399: 24-25). ويقول في مكان آخر: (والشيء الوحيد النادر المفقود الذي لا أجده، هو الإنسان، ذلك الإنسان الحقيقي الذي يحمل في صدره قلبأ، حيأ، نابضأ، متدفقأ، لا مكينة متحركة، لقد خضع الإنسان لحياة الماكينات خضوعأ جعله لا يفكر إلا في الماكينة وأصبحت خواطره ومشاعره كلها ماكينات، وتتسم بمزايا الجمادات والفولاذ، فلا رقة فيها ولا مرونة، ولا لين فيها ولا نعومة، وقد بعد عهد العيون بالدموع، وعهد القلوب بالخشوع، تلك هي الحقيقة التي لمستها في الولايات المتحدة الأمريكية) (المصدر السابق، ص 29).

الأرض :الولايات المتحدة الأمريكية قارة تبلغ مساحتها (431. 9 0 8 و 9)، أي ما يقارب أربعة أضعاف مساحة المملكة العربية السعودية، ومن تلك المساحة (206 و 65) كم 2، من المياه، وتبلغ مساحة الثمان والأربعين ولاية باستئناء ألاسكا وهوائي (767، 0 8 0. 8) كم 2، والمسافة بين (هوائي ( Hawaii في المحيط الهادي و (مين ( Maine) في الشرق تبلغ (8. 2..) كم، وتبلغ من (بوينت بارو ( Point Parrow) في الشمال إلى (فلوريدا (Florida) في الجنوب (4500) كم، وتمتد حدودها مع كندا (8895) كم، منها (2478) كم في ألاسكا، وتبلغ حدودها مع المكسيك (3240) كم، ويبلغ طول السواحل الأمريكية (929. 19) كم، منها (686، 0 1) كم في ألاسكا، و (7 0 2، 1) كم في هوائي، وتفصل كندا بين ألاسكا وبقية الولايات بمسافة تبلغ (800) كم، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية، إذا حسبت ألاسكا، رابع اكبر دولة في العالم من حيث المساحة ( New standard Encyclopedia,1995,Vol.18 : 56-57 ).
وتتنوع تضاريس الولايات المتحدة الأمريكية تنوعأ شديدا، فهناك البحيرات الكبرى، والأنهار الطويلة، وهناك سلاسل الجبال، والغابات الكثيفة ذات الأشجار العملاقة، والصحارى القاحلة، والأراضي الخصبة، والسهول الساحلية الطويلة والعريضة.
أما المناخ فيختلف من منطقة إلى أخرى، فدراجات الحرارة مثلا تصل في الاسكا إلى (60) درجة مئوية تحت الصفر، وتصل في كاليفورنيا في المقابل إلى (57) درجة مئوية في بعض فترات الصيف، ويختلف كذلك معدل سقوط الأمطار، فأعلى معدل له يصل إلى (680. 11) ملم في بعض أجزاء هوائي، وأدنى معدل له يصل إلى (50) ملم في الصحراء في الجنوب، وتتأثر المناطق الساحلية برطوبة المحيطات، وتوجد في الولايات المتحدة معظم المناخات المعروفة في العالم من صحراوي، وقاري، ومناخ البحر الأبيض المتوسط، والاستوائي. ( Ibid).

وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أغنى المناطق في العالم بتنوع نباتاتها وحيواناتها وكائناتها الحية الأخرى، وهذا أمر غير مستغرب في بلد عملاق من حيث مساحته، ويتمتع بمناخات متنوعة، ولديه ثروة كبيرة من مياه البحيرات والأنهار، ومياه الأمطار، ولهذا تتنوع الطبيعة، وتكثر الغابات الكثيفة والجميلة، وتتنوع فيها النباتات والأشجار والكائنات الحية، وتعتبر الولايات المتحدة من أجمل الأماكن في العالم لمن يعشق رؤية الطبيعة البكر في جمالها وسحرها الأخاذ، الذي يعكس عظمة الخالق وقدرته سبحانه، فهناك أكثر من (000، 20) نوع من النباتات المزهرة، Ibid وهناك أنواع كثيرة من الأشجار العملاقة والتي تشكل مساحات كبيرة من الغابات الطبيعية في كثير من الولايات، وخاصة في الأجزاء الغربية من البلاد.
التركيب السكاني :يسكن الولايات المتحدة الأمريكية حسب إحصاء عام 1996م (845. 562. 265) نسمة (الآفاق المتحدة، 17 4 1 هـ: 846). جاؤها من جميع زوايا الأرض، ولذلك لا توجد أغلبية عرقية واضحة، فنهاك حوالي 15% من أصل بريطاني، و 13% من أصل ألماني، و 8% من أصل أيرلندي، ومن المتوقع في المستقبل القريب أن تكون كبر مجموعة عرقية في الولايات المتحدة الأمريكية من أمريكا اللاتينية، ففي لوس أنجلوس مثلا هناك 28% من أصل لاتيني، 13% من السود، و 6% من أصل آسيوي، وربع المقيمين من مواليد دول أجنبية ( لودتك، 1989).

وإشارة إلى تعدد الأعراق في أمريكا يقول الروائي (هيرمن ملفيل) إنه لا يمكنك إراقة نقطة من الدم الأمريكي دون إراقة دم العالم أجمع (مان، 1989: 29) ولقد فتحت أمريكا باب الهجرة لأسباب أهمها:
- كبر مساحة البلاد.
- وجود موارد طبيعية ضخمة، من أراض خصبة، وموارد مائية كبيرة، ومعادن، وأخشاب، وثروات سمكية وغيرها.
- الحاجة إلى الأيدي العاملة بمستوياتها المختلفة، وخاصة بعد التوسع الصناعي بعد الحرب العالمية الأولى.
- الحاجة في بداية النهضة إلى رؤوس أموال المهاجرين.
أما في العقود الأخيرة فإنها لا تسمح بالهجرة ولا تعطي الجنسية إلا لمن تتوفر فيهم بعض المواصفات الخاصة، ويأتي في مقدمتها المهارة المهنية والحصول على درجات علمية عليا.
ويشير(آرثر مان) إلى أن موجات الهجرة المتتالية أدت إلى زيادة تعدد الأعراق ونوعها، فقد كان يعيش في الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الأولى ستون عرقأ مختلفاًُ، أما اليوم فيوجد بها كثر من مئة عرق (المصدر السابق: 69). ولا شك أن تعدد الأعراق في أمريكا له إيجابياته وسلبياته، فمن أهم إيجابياته أن المهاجرين الجدد لا يشعرون بوقع الغربة القاسي، وآثارها النفسية والاجتماعية العميقة، فالمهاجر حديثأ يشعر أن من حوله كلهم مهاجرون وقد أتوا من خارج البلاد، وإنما الفرق في الفترة الزمنية، فبعضهم كان المهاجر الأول جده، وبعضهم أبوه، وبعضهم هو نفسه، كما يجد المهاجر الجديد أن بعض قومه قد سبقوه، فيسعى للاتصال بهم، وينشد مساعدتهم ودعمهم المادي والمعنوي، وإذا كان صاحب أسرة فإن حاجته إلى أبناء جلدته آكد، ففي الغالب لا يتكلم معظم أفراد الأسرة اللغة الإنجليزية في الفترة الأولى من القدوم، وتحتاج الأسرة إلى نظام داعم ( Support System ) يساعد على التأقلم مع ظروف ومتغيرات الحياة الجديدة، ومن فوائد تعدد الأعراق خلق نوع من المنافسة بين الأعراق في الجوانب البناءة، كالتكاتف، والتآزر، والحرص على النجاح، والإنتاج، وإثبات الوجود، وكسب احترام المجتمع والجماعات الأخرى.

أما سلبيات تعدد الأعراق فتتمثل في عدم الانسجام الاجتماعي، وتؤدي إلى كثرة الصراعات والخلافات والصدامات، ولعل الوضع بين البيض والسود، والبيض والهنود الحمر، والسود والتشيكانوز (الذين ينحدرون من أصول أسبانية) من أكبر الشواهد على ذلك، وتظهر الخلافات العرقية بوضوح في أوقات الأزمات، كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية عندما وضع الأمريكيون من أصل ياباني في معسكرات الاعتقال خوفأ من قيامهم بأعمال تخريبية ومساندة اليابان ضد أمريكا، وقبلها ظهرت موجة من العداء الصارخ خلال الحرب العالمية الأولى ضد الأمريكيين من أصل ألماني، ولعل أحدث الشواهد وآخرها ما لاقاه المسلمون والعرب بعد حادث تفجير مبنى الحكومة الفدرالية في مدينة أوكلاهوما في عام 1994م ، حيث سجلت الدوائر الرسمية أكثر من مئتين وعشرين إعتداء أو تهديدا بالاعتداء على المراكز والمساجد والأفراد. وهناك تنظيمات إرهابية عرقية مثل عصابات (الكو كلكس كلان، K.K.K ) التي تعادي الأعراق كلها بدون استثناء، ما عدا المسيحيين البيض، وإن كانت درجة عدائهم تختلف من جماعة إلى أخرى، فأكثر ضحاياهم من السود، ويليهم اليهود.
ولقد كانت السلطة وصناعة القرار- ولا زالت في معظمها- في أيدي (الأنجلو- ساكسون) ولذلك حاولوا توجيه القوانين لمنع بعض الأجناس من الهجرة إلى أمريكا، وكانت تلك الآراء منتشرة لمدة ثلاثة عقود تقريباً في أواخر القرن الماضي، وكانت الحجة المستخدمة تتمثل في أن العرق الأنجلو- ساكسوني يتفوق على جميع الأعراق، ولقد صادقت الحكومة المركزية في ذلك الزمن، والمتاثرة بنظرية التطور، على تصنيف الناس إلى عدة أجناس، ووضع بعض الباحثين الأجناس في ترتيب هرمي يأتي الأنجلو- ساكسون وأبناء عمومتهم الجرمانيون في شمال وغرب أوربا في قمته، وسكان جنوب الكرة الأرضية وشرقها والسود في أسفله، ووضع هذا الترتيب بناء على ما سمي معطيات علمية في ذلك الوقت بأن الصفات الأخلاقية والعقليه والجسديه تورث من جيل إلى جيل، ولذلك تقدمت بعض الأمم، بينما بقي البعض الآخر متخلفاً ، وانتشرت مقولة تفيد بأن الرجل المهزوم من الجنس المهزوم (مان) 1989: 73-74 .

هذا وقد استعرض (جون كنيدي) الكثير من قوانين الهجرة إلى أمريكا، والتغيرات والتعديلات التي طرأت عليها، ومن ذلك أن الإدارة الأمريكية في عام 1917م فرضت كثيراً من القيود كانت انعكاساً للأفكار التي نادى بها(ماديسون جرانت) حين نشر كتابه (مرور الجنس العظيم) في عام 1916 م والذي طالب فيه بطرد الأجناس الدنيا من اليهود وسلالات الألب والبحر الأبيض المتوسط بصفة عامة (كنيدي، 1965: 108). وصدر قانون الأجانب في عام 1798 م والذي يعتبر الخطوة الأولى لتقييد الهجرة إلى أمريكا، وكان ينص على إبعاد الخطيرين على أمن الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1882 م صدر قانون يحظر الهجرة من الشرق وكان هدفه الأساسي العناصر الصفراء. وحدد القانون الصادر في عام 1921م عدد المهاجرين من كل جنسية حسب نسبة أفرادها المقيمين في أمريكا طبقاً لتعداد 1910م بما لا يزيد عن 3%، وعدل في عام 1924م لكي تكون النسبة 2% من كل جنسية من الجنسيات المقيمة في الولايات المتحدة في عام 1980 م (المصدر السابق).
وفي عام 1924م صدر قانون (جونسون ريد) وطبق بعد خمس سنوات، ويقضي بتقليل أعداد المهاجرين، وتصنيف القادمين حسب موطنهم الأصلي، وإيقاف تدفق الآسيويين، وتحديد نسبة ضئيلة للقادمين من شرق وجنوب أوربا، ونسبة أكبر للقادمين من شمالها وغربها، والجزء الأكبر للقادمين من بريطانيا وأيرلندا الشمالية، ومن ضمن الفلسفات التي اعتمد عليها صدور ذلك القانون أن فتح باب الهجرة على مصراعيه أدى إلى قدوم أجناس دنيا، وبقدومها ظهرت الأحياء الفقيرة، والاضطرابات، والأسر المتصدعة، والسكارى، والجريمة، والبغاء، والقمار، والأمية (مان، 1989: 74).

وبعد الحرب العالمية الثانية خُـففت بعض قيود الهجرة بدءا بالقانون الذي أصدره الكونجرس الأمريكي في عام 1948 م والذي عرف ب (قانون المشردين) وكان يسمح بالهجرة لأولئك الذين شردتهم الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1957م أدخل تعديل في نظام حصص الأجناس القومية أدى إلى التوسع بعض الشيء في أعداد المهاجرين (كنيدي، المصدر السابق: 90 و 108).
ومع مرور السنين كثر التزاوج بين المجموعات العرقية، واختلطت الأعراق والدماء، وفي هذا الجانب يتساءل (آرثر مان) قائلا: هل الأمريكي نتاج وعاء الإذابة أو (بوتقة الانصهار) كما يسميها البعض؟ ويجيب على ذلك قائلا: (نعم ولدرجة أنه بالكاد يوجد أي حفيد أمريكي من نفس سلالة أجداده الأصليين في موطنهم الأصلي … فقد أقر ثلاثة وثمانون مليوناً من الأمريكيين اعتمادا على مسح مكتب الإحصاءات في الولايات المتحدة في عام 1979م أنهم ينحدرون (من مجموعات متعددة الأجداد) وستة وتسعون مليوناً (من مجموعة واحدة) ويواصل (آرثر مان) حديثه عن بوتقة الانصهار وأنها لم تلغ الفروق المختلفة بين أفراد الشعب، قائلا: إنه إذا انطبقت على الكثيرين، فإنه من غير المقبول استخدامها وصفاً لأمريكا ككل، حيث سيتم تجاهل ” التصميم العرقي، وقيم المجموعات العرقية، وشيء تفسير قوة العائلة، والقيود العرقية والدينية والجنسية ضد التزاوج، ويقلل من قيمة الزواج داخل المجموعة الواحدة (المصدر السابق: 78).

ويمكن النظر إلى أي مواطن أمريكي على أنه يقع في واحدة من الفئات التالية:
1- أصحاب الدم الصافي: وهم الذين يعيشون حياتهم في مجموعات عرقية مغلقة، يسكنون ويذهبون إلى المدرسة، ويعملون، ويقضون أوقات فراغهم مع بني جنسهم، وكذلك يتزاوجون ويأكلون طعام مجموعتهم، ويصوتون لبعضهم، وهؤلاء يشكلون نسبة ضئيلة من السكان، ويقع في هذه الشريحة الكثير من الجماعات اليهودية، وبعض فئات السود والهنود الحمر
2- المعرقون جزئياً: وهؤلاء يأخذون انتماءاتهم العرقية بجرعات قياسية ومختارة، فيبتعدون عنها في الجمعيات الأساسية، ولكنهم قد يعرفون على على أنفسهم بعيدا عن العرقية في العمل وفي المجتمع، وهؤلاء يشكلون أكثرية المجتمع الأمريكي الذي ما زال محافظاً على ارتباطه بالأجداد.
3-اللامنتمون: وهؤلاء يهملون انتماءاتهم العرقية، لشعورهم أنها تسبب لهم بعض المشكلات، أو لبعدهم عن جذورهم، أو لقناعتهم أن المجتمع الأمريكي يجب أن يبتعد عن العرقية لإثارتها للحساسيات والصراعات وهؤلاء غالباً ما يكونون من فئة المتعلمين والمثقفين، أو من الفئات التي يمارس ضدها التمييز العنصري، وقد تلاقي عنتأ إذا كشفت عن أصولها العرقية، مثل بعض العرب، وبعض الفيتناميين.
4-المهجنون: وهم الذين يجري في عروقهم كثير من الدماء، ولا يستطيعون الانتماء إلى عرق واحد، وهؤلاء من ثمار ونتائج بوتقة الانصهار.

الأسرة في المجتمع الأمريكي:
رغم ما يقال من أن العائلة الأمريكية قد فقدت الكثير من خصائصها ومقوماتها، فمما لا شك فيه أنها لعبت دورا كبيرا في تاريخ البلاد، ( فكانت العائلة هي المؤسسة الوحيدة التي يمكن الوثوق بها في مشروع استيطان القارة لشعب لم يثق بالكنيسة بقدر عدم ثقته بالدولة) (شيليسل، 1989: 81).
وإذا كانت أمريكا اليوم تعاني من ارتفاع نسبة الطلاق حيث تصل إلى أكثر من 50%، أي أن كل زواجين محكوم على أحدهما بالفشل، فإن الطلاق كان نادراً وقليلا في ذلك المجتمع قبل حوالي قرن من الزمن تقريباً، فهذه ( ليليان شيليسل) تذكر أن الهيئة التشريعية في ولاية (أوريجون) في عام 1858/ 1859 م في جلسة طلاق جديرة بالذكر تم طلاق ثلاثين زوجاً، وتم تأجيل عشرة طلبات أخرى لأنها كانت متأخرة لإقامة الدعوى (المصدر السابق:88). إن هذا الرقم يمكن أن يحدث اليوم في مدينة صغيرة أو متوسطة الحجم، وربما في أقل من عام. فالطلاق عموماً يقل في المجتمعات البسيطة، ويرتفع كلما تعقدت الحياة، وزاد التداخل والتشابك بين وظائف وأدوار كل من النساء والرجال.
وعلى العموم، فإن المفكرين وعلماء الاجتماع يرون أن العصر الذي نعيش فيه من أكثر العصور تأثيراً على وظائف الأسرة ومقوماتها، ويرون أن المادية، والتحضر والتصنيع من أكثر العوامل التي أدت إلى تدهور وضعف دور الأسرة، فالأسرة كانت المؤسسة التي لا تنازعها أو تزاحمها مؤسسة أخرى في عملية التنشئة الاجتماعية، وكانت مكان التدريب على العمل، ومكان تعلم القيم والأعراف الاجتماعية، ومؤسسة لتقديم الخدمات الاجتماعية بصورها وأشكالها المختلفة لأعضائها، أما اليوم فقد سلبت منها كثير من تلك الوظائف بواسطة مؤسسات اجتماعية أخرى مثل المدرسة، ووسائل الإعلام، والنوادي، وجماعات الرفاق، وجماعات العمل.

ولعبت الأسرة الأمريكية دوراً كبيراً في عملية الاستيطان، فقد مال الأقارب إلى العيش بجوار بعضهم، وفضلوا العيش بقرب أقاربهم كلما كان ذلك ممكناً، وبذلك تبادلت الأسر المساعدة، والتعاون على قهر الصعاب في المجتمع الجديد ( وكان يتم القيام بمعظم العمل في المسكن في المجتمع قبل الصناعي، لذلك كانت أدوار الأب والأم منسجمة مع الأدوار الاجتماعية والاقتصادية، وكان يتم اعتبار الأطفال أعضاء في القوى العاملة ورؤيتهم كأشياء نافعة، وكانت الطفولة تعامل باعتبارها فترة قصيرة تنتهي عند تعلم مهنة وبداية العمل، وبشكل عام قبل سن البلوغ، وكانت فترة المراهقة التي تعتبر مرحلة متميزة من الحياة شيئاً غير معروف فعلياً (هريغن،1989: 261).
ومع التنمية الصناعية وزيادة التحضر تعرضت البنية التقليدية للأسرة الأمريكية لكثير من التغيرات، وتفككت وتدهور وضعها. ( ويستند هذا الاتجاه في رأيه إلى عدة عوامل لعل أهمها زيادة معدلات الطلاق في الغرب الأمريكي طوال القرن الماضي بشكل لم يسبق له مثيل، واضمحلال سلطة الآباء على الأبناء، وكذلك تفكك وضعف العلاقات العاطفية بين الزوجين علاوة على الآثار الضارة للبطالة على حياة الأسرة وكذلك انتشار وزيادة معدلات الجناح، وكل تلك السمات تدل على تدهور حياة الأسرة الذي ارتبط بدوره بشكل وثيق بانتشار أسلوب الحياة الصناعية الحضرية) (الخريجي، 1399، 142).
وظهر تفسيران واتجاهان مخالفان لهذا الاتجاه الأول ارتبط بعالم الاجتماع الأمريكي المشهور ( تالكوت بارسونز، T.Parsons الذي يرى أن الأسرة الأمريكية قد مرت، حقيقة، بكثير من التغيرات الأساسية، والتي ارتبطت بالتصنيع والتحضر. إلا أنه من الخطأ اعتبار تلك التغيرات الأسرية نوعاً من التفكك أو (سوء التنظيم). بل على العكس من هذا تحولت الأسرة لتصبح بناء أكثر تخصصاً بمعنى ما. فالأسرة وإن تكن فقدت الكثير من وظائفها (مثل إنتاج الطعام وتعليم الأولاد). إلا أنها اكتسبت وظائف أخرى لا تقل أهمية مثل تنشئة الأطفال الصغار، وتهيئة الظروف الملائمة لحل التوترات العاطفية التي تجتاح البالغين، بالإضافة إلى أنه طرأ تخصص على دور الزوج- الأب، ودور الزوجة- الأم. فقد صار الرجل مسؤولاً عن الوظائف التي يتوسل بها إلى كسب لقمة العيش، على حين تضطلع الأم بالوظائف التعبيرية متمثلة في توفير جو الحنان والحب للأسرة. ولا تعكس هذه الخصائص البنائية الجديدة للأسرة أي قدر من انعدام التكامل، بل على العكس من هذا، فإنها تشير إلى ظهور النمط النووي من الأسرة وهو أفضل من النمط الممتد في تنشئة الأطفال حتى يبلغوا سن النضج في مجتمع حضري يغلب عليه طابع الصناعة) (المصدر السابق 142-143).

وكلام (بارسونز) يمكن الاعتراض على الكثير من الأفكار التي وردت فيه، فلا صحة لما قاله من أن الأسرة اكتسبت وظائف جديدة، فتنشئة الأطفال تعتبر من الزم وأهم وظائف الأسرة عبر التاريخ، وإذا كان يقصد من ذلك أن بعض الأسر تخصصت في حضانة الأطفال عند ذهاب آباءهم وأمهاتهم للعمل، فإن التنشئة الاجتماعية للأطفال هنا ستكون قاصرة، لافتقارها للصلات والروابط الروحية والنفسية، فليس هناك معاملة أو عطف أو حنان يعوض أو يقارب ما تقوم به الأم والأب. أما حل التوترات العاطفية للكبار فهي أيضا وظيفة قديمة من وظانف الأسرة، وهو ما عبر عنه الإسلام بالسكن، والذي فيه الهدوء والراحة والطمأنينة، أما مسؤولية الرجل عن كسب لقمة العيش فهو دور معروف وقائم في كثير من الثقافات، وما يحدث في العقود الأخيرة هو عكس ذلك، فالمرأة بدأت تنافس الرجال في العمل خارج المنزل، وتتزايد مطالبتها بالمساواة بالرجل في جميع الميادين، وهذا أثر على دورها سلباً في إضفاء جو من الحب والحنان على الأسرة.

أما التفسير والاتجاه الثاني المخالف لمن يقول بتفكك الأسرة الأمريكية، وضعف دورها فقد جاء من (يوجين لتواك، E.Litwek حيث يذهب اليأن التغيرات التي طرأت على تركيب الأسرة لم تكن بتلك القوة التي ذهب إليها ذلك التيار التشاؤمي، إذ أن المطالب التي يمليها البناء المهني الحديث من حراك عائلي سريع لا تعني قضاء أو تدميرا لنمط الأسرة الممتدة، كما أكد ليتواك أن التغيرات (التقنية) الهائلة التي طرأت على أساليب الاتصال الحديثة قد أدى إلى اختصار المسافات البعيدة بحيث صار البعد الجغرافي لا يشكل خطورة على أبناء الأسرة حتى إذا تباعدوا لفترة معينة، علاوة على هذا فإن الأسرة (النووية) تقدم عددا من الخدمات للأسرة الممتدة دون أن يؤثر هذا على النسق المنهي العام. وعلى ذلك ظهر إلى حيز الوجود نظام أسرة ممتدة معدل في منتصف القرن العشرين، وقد حاول ليتواك أن يدعم استنتاجاته بدراسة مجموعة من أنماط التزاور في عدد من المدن الكبيرة) (الخريجي، 1399: 143.

وإذا كانت الفردية Endividualism من أوضح خصائص المجتمع الأمريكي المعاصر، فقد كانت السكنى المنفردة في القرن التاسع عشرغيرمسموح بها (هريغن، 1989: 259). ويشاهد الزائر لأمريكا اليوم أن نسبة كبيرة من السكان يعيشون بمفردهم، والعائلة الأمريكية أصبحت نووية تتكون من الأب والأم وأولادهما، ومعظم الأسر تحدد عدد الأبناء بإثنين، ولم تعد الأسرة وحدة منتجة، بل أصبحت مستهلكة في الأغلب الأعم، وأصبح دورها أضعف وأقل تأثيرا من الماضي، ويتركز في الحمل، والولادة، وتربية الطفل، والمشاركة مع المؤسسات الأخرى في تنشئته، ويكون لها الدور الأكبر في التنشئة في المراحل الأولى من حياة الطفل، وكلما تقدمت به الأيام يقل ذلك الدور وتحل المؤسسات الأخرى محل الأسرة في القيام به، وهذه الظاهرة ليست موجودة في المجتمع الأمريكي فقط، وانما في معظم المجتمعات المعاصرة التي أخذت قسطاً من التنمية والتقدم وتتميز الأسرة الأمريكية بتنوعها، كما تتميز بتأخر سن الزواج، وطول الفترة التي تفصل بين الزواج والإنجاب، (وفي الواقع فإن المجتمع الأمريكي شمل على نماذج عائلية متنوعة.. ارتبطت بالدخول المتكرر لمجموعات مهاجرة جديدة، وقد تسببت الاختلافات العرقية والعنصرية والثنائية والطبقية في تنوع كبير في سلوك العائلة، إن التوتر القائم بين مثاليات سلوك العائلة في ثقافة مهيمنة وبين النماذج التقليدية للعائلات السود والمهاجرين كانت موضوعاً متكررا في الحياة الأمريكية (المصدر السابق 266).

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف ركن الدعوة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.