عودة إلى الشابة الملتزمة المعاصرة

كانت رسالة الأخت الملتزمة المعاصرة سبباً للبحث الأعمق عند بعض إخواننا وأخواتنا ، وهذه رسالة من أخت كريمة فاضلة وصاحبة همة ولها تجربة ما ، اجتهدت ونظرت وأخرجت بعض ما لديها في الرسالة التالية ، ورغم ما قد يكون من ملاحظات إلا أن عرض الأفكار هو المقدمة الصحيحة للبحث عن الحق والصواب ، أترك الرسالة التي بدأت لكنها لم تنته …بين أيدي القراء دون تعليق ، ولهم كامل الحق في إبداء وجهات نظرهم . مع الشكر والدعاء للجميع.

أستاذنا الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم أنس في الحقيقة ما تحدثنا به آخر مرة عن رسالة الأخت وعن الرد عليها ، وفي الحقيقة استثقلت الموضوع بأن أحمل ثقل الرد عليها أنا التي مازلت لم أتبين صحة ما أكتب ، ولكن أستاذي عملت جاهدة وكتبت هذه الصفحات منذ عشرات الأيام وبصراحة لم أحس أنها أعطت الحل ولم تشف ما في صدري مما أريد كتابته ولكن عملت ما بوسعي على الرغم من أنني أحسست أنني ابتعدت عن النقطة المركزية .بدأت منذ البداية من رأس الخيط لأكمل ربما هذه طبيعة الاتقان التي أتعذب بوجودها والآن أرسلها بعد هذا الزمن فأرجو أن أكون قد أسهمت بشيء ما مفيد.
أعترف أنني مقصرة جدا ولكن هذا ما استطعت ولك كل الحق في انتقادها ولك كل الحق في تصحيح أخطائها راجية منك الاستفادة من أخطائي لأتجنبها الآن والمستقبل فاقبل مني هذه المحاولة في علاج مشاكل المجتمع والتي سيلحقها التحدث في نقاط أخرى إن أكرمتني بها أرجو منك إرسالها لي لأبدأ بالتفكير بها ومناقشتها مع نفسي ثم معك ولك الأجر والثواب بإذن الله تعالى وبالنهاية النفع لأمتنا التي غدت تحت التراب علنا ننقذها ممن وأدها.

إليك ما يلي من تحليل قمت به.

تتشبث العقول عادة بما رضعته في أرض الطفولة من تقاليد وبما فطمت عليه من عادات وبما شبت عليه من أعراف، وقلّ من الناس من استودع ماضيه هذا في حجرة غربلة الأفكار وقل من جعلها عرضة لميزان البحث عن الحقيقة خلف جدران زجاجية يواجه عبرها نفسه التي تفصح عن صدق نواياه وصراحة نوازعه الصالحة منها والطالحة.

ولهذا فأغلب الناس يستقلون على دفة سفينة يحركها تيار المجتمع الذي تتراكم في مياهه العكارة من مخلفات السفن المتتالية عبر السنوات والأزمان من الأجيال الغابرة الماضية التي أخذت حصتها من الحياة وخضعت لامتحانها، هذه العكارة تمثل الأخطاء المتراكبة التي لا تورث مع الزمن إلا التعفنات فتعكر صفو المياه. مياه لا يفلترها إلا أناس سبروا أغوار المجتمع فعرفوا أدواءه ليعالجوه بما أنعم الله عليهم من الحكمة والعلم والثراء الباطني والصدق والإخلاص والروح المفعمة بالحب لبلادهم وأناسهم فلا تصفو المياه إلا بوجودهم على قلتهم ولولاهم لأكل الديدان الخشب ثم الناس بعدهم لتزداد وحولة هذه المياه فلا تصلح بعدهم للإبحار ولا حتى السياحة بل لا تصلح حين ذاك إلا للاعتبار.

حين نقوم بالتحقيق للبحث عن الحقيقة ورؤيتها تصطف الأخطاء الواحدة تلو الأخرى وتتزاحم أيها أولا يود الإفصاح عن نفسه ويعتبر نفسه أول الخيط لتنظر إليها أيها المتفحص فترى فيها تشابهات وراثية شديدة وكأن بعضا ولد من بعض فتختلط الأمور عليك في البداية لترى صفوفا من الأجيال المتلاحقة ازداد تشوهها فتفاقمت العاهات التي تخشى بعدها أن تصبح مستديمة بل وتتطور إلى ما هو أعقد منها وتسيطر على الحوض الوراثي في طبيعة البشر الذين يقطنون هذا المجتمع المريض وأي مجتمع في رأيك يخلو من الأمراض…؟!!

واحدة من هذه التشوهات بدأت تظهر مع تعاضد سببين الفهم المنقوص لغايات الوجود في هذه الحياة والفهم المحدود المتناقل بعنعنة وبدون عنعنة والمنبثق عن الكلام النظري المجافي للحياة ومعاملتها من قبل المتكلمين.
إنها علاقة الإنسان بهذا المجتمع وبالحياة ككل.
لن أخصص المرأة لأن الحديث عنها بات علكة نفذت من كثرة علكها كل المحلّيات السكرية وباتت تسأم من موضوعها الأفواه اللائكة.
الإنسان مهما كان جنسه أو نوعه ليس بمخلوق من الدرجة الثانية بل مهما كان يظل إنسانا سواء كان أسودا أو أبيضا معاقا أو سليما طفلا صغيرا أم شابا رشيدا امرأة أو رجلا أو حتى خنثى فكلهم خلق الله والكل له وظيفته عليه أن يحسن استغلالها بما وهبه الله تعالى من قدرات وأول الطريق لهذا معرفتك لنفسك وخصائصها التي تملك من مقومات القوة ما يمكنها من مصارعة أقوى خاصية نزعم أنها الأقوى، فالجامد صحيح أنه أقسى من اللين ولكن الماء أقوى من الصخر لأن لديه القوة الناعمة التي أحسن استخدامها فصرعت البحار جلادة الجبال هكذا من يتمكن من سبر أغوار نفسه ويفهم قاعدة الكون والحياة وقوانينها المستلهمة في جلها من الطبيعة والعلاقات الاجتماعية ومن أحسن الربط بينهما أمكنه التوصل إلى مقاليد إن أمسكها أمسك دفة المسير السببي في هذه الحياة.

لا شك أن كل مجتمع يبدأ من علاقات طبيعية تسيرها الفطرة في البداية ثم لا يلبث أن يضع الناس لأنفسهم أقفاصا تحد حركتهم فيه وتجعل منهم أنماطا تتوارث جيلا بعد جيل حتى يغدو هذا النمط هو المقياس والمعيار الذي تقارن على أساسه كل الأنماط ولا يلبث الناس أن ينسوا الأصل الذي هو الفطرة والطبيعة.
يبزغ من كل مجتمع أناس مفكرون يحاولون تصحيح المسار على أسس مناهج يستلهمونها مما استطاعوا الاستلهام منه في هذه الحياة فيشكلون منهجا يفتح طريقا يعرضوه على عوام مجتمعهم ليتبعه من أراد اتباعه والكثير من الناس قد يعجبون لأنه أمر جديد حاكى في أجزاء منه فطرتهم التي أخمدها المجتمع منذ فترات وأيقظها هذا المفكر الجديد وتنشأ بذلك مدارس تتبع هذه المدارس فيها من الضلال الكثير وفيها من الهداية الكثير يأتي غيرها ليقوم ما ضل فيها فتنشأ مدارس أخرى تكمل بعضها بعضا ولكن تظل تجد في كل منها نواقص تسدها مناهج أخرى وهذا هو خلق البشر وقصة المجتمعات والتوجهات لأن عقل الفرد ينقصه الآخرون.

هنا تأتي الحكمة من المناهج الإلهية التي جلت فيها وتعالت عن النقصان أو الانحراف فأتت الأديان أكمل ما يكون ضمن عصر من العصور التي نزلت فيها ومع استمرار الزمان وتغير المكان والطباع تبعا للمناخ والتضاريس الجغرافية احتاج المنهج أن يتأقلم مع كل ما هو جديد فكانت المناهج الإلهية متجددة لكن العقيدة تبقى واحدة والشرائع تختلف حسب الحكمة التي يرعاها الكمال الإلهي، حتى جاء الإسلام الذي هو خاتم الأديان وغاية الدساتير الذي ومع ما سبق من أحوال جعله حتما دستورا مرنا في غاية اللين والتكيف لأنه عليه أن يناسب أحوالا غير متناهية إلى آخر الزمان وعليه أن يناسب بقاع الأرض المترامية أجزاؤها في أقاصي متباعدة لا يقرب أحدها للآخر وتختلف طباع مجتمعاتها والبشر فيها متلونون بألوان نافست تدرجات الألوان الغير متناهية حتى سبقتها بمرات ناهيك عن المناخات والتضاريس والثقافات التى يختلف فيها كل جماعة عن أخرى.

كل هذا يؤكد لنا عقلا أن الدين لا بد فيه من مرونة عليها أن تشمل أطيافا من البشر لا متناهية فأدى هذا إلى وجوب كون القواعد الأساسية فيه ضئيلة العدد والثوابت فيه محدودة أما الباقي يتساهل فيه حسب الأحوال والمصلحة التي تقصدها حتما الشريعة الإسلامية وكلما أكثرنا من هذه القواعد والثوابت بأيدينا وحددنا خطوطا متكلفة ما هي بالأصل بحدود لكننا سدا للذريعة جعلناها خطوطا حمراء أودرءا لمفسدة أو جلبا لمصلحة فأخذت صفة الخطوط الحمراء المنسوبة زورا إلى الإسلام كلما أكثرنا منها خرجت طائفة وأطياف عديدة من البشر من طائلة الإسلام تتناسب طردا مع عدد هذه القواعد المفتعلة فأضر هذا بالمصلحة الحقيقية التي جاء بها رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي هداية البشر إلى ما يصلح دينهم ودنياهم والمشكلة في هذا أن الأمر يتعدى هذه القواعد ليشمل الإسلام بالجملة بإطلاق الحكم عليه أن فيه ثغرات هو في الحقيقة منزه عنها أقحمناها بقصر أفهامنا فيه فحق لمن رفضها رفض الإسلام ورجعت الهداية الحقيقية إلى رب البشر وإلى حقيقة أن الهادي هو الله وأضعنا نحن ثواب الوسيلة لهذه الهداية.
هذه هي وبكل بساطة قصة الإسلام كدين يريد أن يظهر كنوره لا يخالطه أي ظلمة أو شعاع زيف أوشك أن ينطفئ فإذا تنقى حقيقة شع ودخل بنفسه دون إدخال مفتعل إلى الأبصار ثم القلوب وتدين له العقول لأنها الواسطة بين العين والقلب.
العقل مهما حزم بحزام الدين مهما كان هذا الدين ،يظل وباستمرار يحاول التنصل منه فيحله قليلا ليجرب غيره عن عمد أو بدون عمد هذه طبيعة العقول ترى تقارن تقيس تحاكي تعاكس تفاضل ثم تصل تلقائيا إلى النتيجة الحتمية حسب المعطيات ثم تناقش مع العقل الآخر لتتثبت أو تعاند أو تخضع أو تغير او تعيد المعالجة من جديد وهكذا الإنسان الحي. وهنا تكمن الخطورة عند من يضع حزام العادات والتقاليد دينه ويخلع حزام الدين صنو الفطرة والعقل السليم والعلم المجزوم به فالأول أوشك أن يخرج عن دينه لأنه لا يمت للدين ويأبى العقل والفطرة أن تساندانه أما من يحذو حذو معطيات الحياة السليمة والبديهيات المنبثقة عن سلامة الفطرة فلا يخالف الدين بحال.

رجال الدين قولبو الدين حسب الواقع الذي عاشوه وما يستلزمه العصر الذي عاشوا فيه في قالب نمطي أعطاه شكلا أبعده عن أصله فخالط أذهان الناس شك عميق بمعطيات عديدة في الدين هي في الأصل ليست بثوابت وقواعد وقطعيات.
أخذ أتباعهم هذا القالب وقسوه شيئا فشيئا جيلا بعد جيل دون إعادة تفكير بسلامة كل جزئية من جزئياته حسب تطور الزمن أو المكان الذي لا شك بوجوده من جيل إلى جيل حتى بدأ هذا القالب يجمد شيئا فشيئا ليصبح بعد زمن بقساوة الفولاذ وربطت الأذهان الدين به وقل المفكرون وإن وجدوا ففي جزئيات إذ فضلوا الحفاظ على النبع الذي أورث منذ قائد الجماعة الأول, لأنهم خافو الضياع إذ ليس هنا أي ثقة بالنفس أو بذل حقيقي للجهد أو حتى خوف من مواجهة التيار الصارخ الذي عصف بالعديدين وتشكلت عليه الذهنيات فأبت التغيير أو حتى التعديل.

هنا تكمن الحكاية حكاية الاختلاط وحكاية اللباس وحكاية المرأة وعمارة الأرض وحكاية الأعمال وحكايا صغيرة وأخرى كبيرة منبع مشاكلها هو ماسبق… أن ابتعدنا عن منبع الفطرة والطبيعة الكونية والبشرية ولا ننسى طبعا أننا تحت مظلة نظام إلهي لا بد من وجوده جمع كل المتوحدات من الصفات والمخفيات الضروريات وصاغها لنا لأننا لن نتمكن بعمر واحد الوصول لحقيقتها أو حتى أعمار من هذه الحياة فألقمنا إياها بعد إعطاء الأسس اللازمة والمقنعة للتصديق.

لأبدأ الآن الخوض في الموضوع الذي أطلت فيه التقديم.
هما موضوعان ينبثقان من مشكاة واحدة: الاختلاط والمرأة ووظيفتها في عمارة الكون.
لن أعالج المشكلتين اللتين كثر فيهما الحديث واللغط إلا أنني سأمسك بالرأس وأترك بعدها للقارئ تمييز إلام ينتمي هذا الكائن وقبحه وجماله.

ما زج علماء الشريعة بأقوالهم وتمسكهم بها إلا مفارقتهم للحياة ووقوفهم فوق البرج العاجي الذي أقحمهم بداخله الناس إقحاما ورفعوهم حتى اعتلوا قمة هذا البرج الذي فصلهم عن الواقع إلا من الأحداث التي كانت تنقل إليهم بالكلام وما عايشوها فما تمكنوا من تحليلها اللازم وإيجاد الحلول لها تلك الحلول التي تزداد صحة كلما كانت فيها خبرة وكان فيها نظر عميق وممارسة وعلم دراسة ومراقبة وتحليل للنتائج ومسبباتها، العلماء امتلكوا بعضها وتغاضت أبصارهم عن بعضها الأكثر اعتمدوا فيها على العامة فأخطأوا في أحكامهم أخطاءا من ثمراتها ترك العاقلين الممارسين بالحالة المفكرين لآرائهم أو الابتعاد عن جلها وإعمال عقولهم الخاصة ضمن معطياتهم التي قد تكون غثة من جهة العلم الديني وأسسه، وتكون الحالة انفصال علماء الشريعة بجهة والعلماء الكونيين والمتعلمين بجهة أخرى.
يترك الأمر للطبيعة والفطرة دون تكلف أو زج في الأقفاص التي اصطنعتها أيادي المجتمع المتلاحقة مع مراعاة أصول الدين وموقع كل حكم فيه من الحرمة أو الحل وغايته وفهم هذه الأصول فوق كل شيء والتفكير العميق بحركة الحياة والمجتمع.

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف مقالات القراء, منائر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.