حقوق المرأة بين الواقع و الخيال …. للأستاذ رياض الأدهمي

يجب أن نستمع إلى الجميع حتى يتبين الحق، وهذ مقالة عميقة للأستاذ رياض الأدهمي تبلور بعض الأفكار في الطريق الطويل وتحاول توضيح بعض النقاط المشكلة ،ننقلها عن موقع أبحاث الحضارة الإسلامية راجين أن يكون فيها النفع والصواب.

في كل مرة يتناول الناس موضوع مشكلات الأسرة و خاصة العنف و التسلط على حقوق المرأة في كثير من مجتمعات المسلمين ، يقف العلماء و الدعاة و الباحثين ليعلنوا بحق أن هذا الأمر المشين هو أمر غير مقبول و لا يمكن نسبته إلى الدين و الشريعة . و في هذا السياق يبين العلماء و الباحثون حقوق المرأة في القرآن و السنة و مجالات الحرية و الاستقلال التي أعطاها الإسلام للمرأة ، و هو أمر لا بد من بيانه و توضيحه حتى لا يكون واقع الظلم التي تعاني منه بعض مجتمعات المسلمين فتنة للناس عن دينهم و أداة في يد دعاة التمييع الثقافي لنشر الفساد و إهلاك الحرث و النسل .
و من الأمور التي لا بد من بيانها و التعليق عليها في هذا المقام ، أن بعض هؤلاء الباحثين و الدعاة في غمرة الحماس عند الحديث عن حقوق المرأة و واجباتها ينقلون عن الأئمة و الفقهاء بعض الفتاوى التي تقرر أنه ليس من واجبات المرأة و لا من مسؤولياتها في بيتها طبخ و إعداد الطعام أو التنظيف أو إرضاع وليدها و أن من حقها أن يكون لها خادم و غير ذلك . و قد يكون هذا الكلام مفهوماً إذا قصد به إبعاد النظرة الإستخدامية للزوجة و التي تختزل دورها إلى الخدمة على وجه السخرة بعيداً عن مفهوم الشراكة في مناخ التحبب المتبادل . و لكن تبقى المشكلة في هذا النقل أنه يسلخ الفتوى عن ظروفها و شروطها و يقدمها دون الإشارة إلى الكليات الحاكمة و القواعد التي تضع الأمور في نصابها لإقامة العدل الذي ترضاه الشريعة و ترسمه نصوصها و مقاصدها .
و نشير بداية إلى أن الفتاوى المنقولة عن الأئمة عند مراجعتها و تدقيق عباراتها لم تذكر حقوق المرأة و واجباتها في البيت إلا في إطار الوسع و العرف ، و لا شك أن هذا الإطار يؤمن مدخلاً شرعياً يمكن تعميمه بلا حرج . أما نقل الفتاوى مع إغفال شروطها و ظروفها و احترازاتها فهو قراءة انتقائية غير أمينة لا تزيد المرء علماً بدينه أو مقدرة على معالجة المشكلات .
إذا رجعنا إلى القرآن الكريم و جدنا أن قضية الحقوق و الواجبات في الأسرة تعرض من منطلق واقعي فطري ينسحب على ظروف مختلفة عبر الزمان و المكان .

· لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها .
· لينفق ذو سعة من سعته .
· أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم .
· و عاشروهن بالمعروف .
· إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .
· فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما و تشاور فلا جناح عليهما .
· و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة .

فالآيات الكريمة تقرر مبادئ لتقرير الحقوق و الواجبات في الأسرة تتلخص في المعروف و السعة و التراضي و التشاور . فالعرف المستقر في أية بيئة يساعد كثيراً في تحديد الواجبات و الحقوق و تضييق شقة الخلاف بين الناس ، و كذلك فإن مفهوم السعة يتوافق مع المنطق الشرعي الذي لا يكلف الناس فوق ما يستطيعون ، و أما التراضي و التشاور فهما الوسيلة و الطريقة التي يتوصل بها الناس إلى الوضع المناسب و الملائم بما يحقق المصلحة في جو من التفاهم و التعاون .
فعند الحديث عن مشكلات الأسرة و طرق معالجتها لا بد من تقرير المبادئ القرآنية أولاً و لا بد كذلك من تدريب الناس – رجالاً و نساءً - على فهمها و تذوقها و التحاكم إليها .
و يبدو أن ما يدعى ” مشكلات الأسرة ” هو تعبير عن توتر و انزعاج و خيبة أمل ناتجة عن فرق بين التوقعات و الواقع أو بين الأحلام و الحقيقة . و من هنا فإن مساعدة الناس على تجاوز مشكلات الأسرة تكمن في مساعدتهم على :
· وضع توقعاتهم للحياة الزوجية ضمن ما يقرره العرف و ما يتأصل به المعروف
· فهم الاحتياجات المادية و الاقتصادية للأسرة و معرفة طرق و وسائل تغطية الاحتياجات ضمن الإمكانيات المتوفرة و السعة في الرزق .
· الاعتياد على استعمال التراضي و التشاور وسيلة للوصول إلى أي قرار يتعلق بالأسرة بعيداً عن الإنفراد أو التجاهل .

وقد عاشت كثير من المجتمعات الإنسانية حالة من السلام الاجتماعي و التوافق العائلي الذي يستمد ثباته و استقراره من أعراف و تقاليد وضعت حاجات الأسرة فوق اعتبار رغبات الأفراد . و جاء الإسلام فأقر نظام الأسرة و حوله من مجرد عادات قد يداخلها الحيف و الظلم إلى علاقات مضبوطة بإطار المسؤولية و المودة و الرحمة، و أدخل بعض التعديلات و الضوابط التي تتعلق ببيان أصناف القرابة التي لا يصح عقد الزواج فيما بينها ، و تتعلق بتفصيلات العقود و الميراث بين الأزواج ، و تتعلق ببعض تفصيلات الحضانة و الرضاع و الطلاق و النسب و غير ذلك .
و كان دور المرأة في الأسرة – عبر الثقافات و الحضارات - أساسياً في تأمين كفايات الأسرة من الغذاء و اللباس. و كانت مساحة مسؤوليات المرأة في البيت تختلف حسب الحاجة و السعة في الإمكانيات . و قد كان هذا المعنى واضحاً في آيات القرآن الكريم التي تحدثنا عن أسرة نبي الله شعيب حيث عملت بنتاه في الرعي و تأمين السقاية لقطيع من البهائم . و عند تلاوة آيات تلك القصة الطريفة لا يحس القارئ بلوم أو تثريب بل يجد القارئ الموافقة و الإقرار و الاستحسان لعملهما و مبادرتهما لأداء الواجب في رعاية حاجات الأسرة الكريمة ” و أبونا شيخ كبير “.
و في سنة النبي صلى الله عليه و سلم – في الحديث الذي يرويه البخاري - كانت سيدة نساء أهل الجنة ” فاطمة ” رضي الله عنها تتقرح يداها من الطحن فلما أشفق عليها زوجها علي و سألها أن تطلب من أبيها أن يعينها بخادم من السبي ، علـّمها النبي صلى الله عليه و سلم دعاءً و أذكاراً تخفف عنها بعض التعب و لم يخصّـها بخادم . لقد كان هدي النبي مع ابنته تعليماً للمرأة المؤمنة الصالحة أن تؤدي واجبها في القيام بنصيبها من أعباء البيت صابرة محتسبة ، و كان تصرف سيدنا علي كرم الله وجهه هو مثال الزوج الشفيق الذي لا يترك فرصة لمساعدة زوجته و تخفيف معاناتها إلا بادر إليها .
وفي ضوء هذا الفهم لهدي القرآن الكريم و سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قضية مسؤوليات المرأة في البيت نرى أن الاستشهاد ببعض الفتاوى المنقولة عن الأئمة هو نقل تنقصه الدقة و الأمانة العلمية التي تتطلب نقل ظروف الفتوى و العرف الذي استندت إليه و الذي لا ينطبق عند التحقيق و التدقيق على واقع المجتمعات الإنسانية في أغلب حالاتها و أوضاعها التي يغلب عليها المعاناة و الكدح من جميع أفراد العائلة لتغطية نفقات و أعباء الأسرة و التي قلما ترتفع عن حد الكفاف .
وفي الظروف التي تدفع بها ثقافة الاستهلاك و التكاثرو التفاخر و أولوية الزينة و المظاهر ، و في جو الاستقطاب و التنافر الذي تجود به طروحات الحركة النسوية التي تجعل – الذات الأنثوية – أعلى مرتبة في سلم الأولويات من الأسرة و العائلة ، تأتي النقول الاستعراضية لبعض الفتاوى التاريخية لتزيد الأمر سوءاً و تصب الزيت على النار و تؤصل ثقافة النشوز و مركزية – الأنا - ليحل التشاحن و التوتر محل المودة و الرحمة و السكينة . و في النهاية تكون النتيجة هي انهيار البيت و عيش الفصام و النكد و مخالفة الفطرة.
فإذا كان الواجب يقضي بإنصاف المرأة مما يقع عليها من ظلم في بعض المجتمعات، فإن من غير المقبول أن نقع في مبالغات ردود الفعل فنسعى في تدمير ثقافة أسرية تكافلية تعاونية أثبتت صلاحيتها عبر القرون و في مختلف الثقافات .
و لابد من الحذر كذلك من نقل الفتاوى التي تساوي بين المطلوب شرعاً و بين المفروض قانوناً بالمعنى المعاصر . فالمطلوب شرعاً يرتبط في قلب المؤمن بجملة من المشاعر الطيبة و شعور المسؤولية أمام الله ، بينما يرتبط ما يفرض بقوة القانون بإكراه السلطة و المبارزات السياسية على منصات الانتخاب .
إن فهم الحقوق و الواجبات في الإسلام عبر بعض الفتاوى الاستعراضية السمجة هو فتنة عن دين الله تقدم الإسلام ديناً ارستقراطياً لا يصلح إلا لمن يملك الخدم و الحشم، و تقدم المرأة في تلك المجتمعات الأرستقراطية أكثر تديناً و رفعة ممن يكابدن العمل لتأمين الكفاف .
إنها الفتنة التي تفتح الباب لكل دعوات النشوز و دعوات استبدال نمط الإسلام الفطري بالعلمانية الحداثية الاصطناعية أو غيرها من دعوات الجاهلية.

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف المناهج. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.